الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاَءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا ٱلسَّبِيلَ } * { قَالُواْ سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَآءَ وَلَـٰكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَآءَهُمْ حَتَّىٰ نَسُواْ ٱلذِّكْرَ وَكَانُواْ قَوْماً بُوراً } * { فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلاَ نَصْراً وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً } * { وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي ٱلأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً }

قوله: { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاَءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا ٱلسَّبِيلَ } اختلف [فيه]:

قال بعضهم: نحشر أولئك الذين عبدوا دون الله والمعبودين وهم الملائكة؛ لأن من العرب من قد عبدوا الملائكة؛ كقوله في آية أخرى:وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلاَئِكَةِ أَهَـٰؤُلاَءِ إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ * قَالُواْ سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ... } الآية [سبأ: 40-41].

وقال بعضهم: هو عيسى يحشر بينه وبين من عبدوه؛ لأنه قد عبد دون الله فيقول له ما ذكر؛ كقوله:وَإِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ... } الآية [المائدة: 116].

وقال بعضهم: يحشر الأصنام ومن عبدها، ثم يأذن لها في الكلام فيقول: { أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاَءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا ٱلسَّبِيلَ }؛ كقوله:وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ } [يونس: 28] إلى قوله:إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ } [يونس: 29]، ولو كان عيسى - عليه السلام - أو الملائكة لكانوا عالمين بعبادتهم إياهم غير غافلين؛ دل ذلك أنها الأصنام التي عبدوها دون الله وإياها يسألون.

وكل ذلك محتمل؛ إذ قد كان منهم ذلك كله، والله أعلم.

وقوله: { فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاَءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا ٱلسَّبِيلَ }: والله - عز وجل - كان عالماً لما كان منهم، لكن السؤال إياهم - والله أعلم - يخرج مخرج توبيخ أولئك الكفرة وتعييرهم؛ لأنهم يعبدون من ذكر من دون الله، ويقولون: هم أمروهم بذلك، وكانوا مقبولي القول عندهم صادقين فيما يخبرون ويقولون، فأراد أن يظهر كذبهم عند الخلائق؛ لذلك سألهم، والله أعلم بالكائن منهم من أنفسهم، لكنه يخرج على ما ذكرنا.

ثم نزهوه عن جميع ما لا يليق به، وبرءوا أنفسهم عن أن يكون منهم أمر أو شيء مما نسبه أولئك إليهم، وهو أعلم بهم فقالوا: { سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَآءَ } قال أهل التأويل: { أَوْلِيَآءَ } أي: أرباباً، وهم لم يتخذوا أربابا من دونه، لكنه عندنا يخرج على وجهين:

أحدهما: ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونه أولياء هم المؤمنون.

الثاني: أو أن يكون: ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دون ولايتك ولاية سواك.

وفي بعض القراءات: { أن نتخذ من دونك أولياء } برفع النون، لكن أهل الأدب يقولون: هو خطأ.

وقوله: { وَلَـٰكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَآءَهُمْ حَتَّىٰ نَسُواْ ٱلذِّكْرَ }: هذا يحتمل وجهين:

أحدهما: أن آباءهم قد أمهلوا ومتعوا في هذه الدنيا، حتى ماتوا على ذلك من غير أن أصابهم شيء مما أوعدوا في كتابهم، ومما أوعدهم الرسل من العذاب والهلاك على ما اختاروا من الدين وصنيعهم، فظنوا أنهم على حق من ذلك؛ حيث لم يصبهم من المواعيد المذكورة في كتابهم، أو ما أوعدهم رسلهم بشيء؛ فعلى هذا التأويل الذكر: الذي نسوه هو كتابهم، أو ما أوعدهم رسلهم، والله أعلم.

السابقالتالي
2 3