الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُواْ مَعَهُ عَلَىٰ أَمْرٍ جَامِعٍ لَّمْ يَذْهَبُواْ حَتَّىٰ يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا ٱسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُمُ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَآءَ ٱلرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَآءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { أَلاۤ إِنَّ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُواْ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمُ }

قوله: { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُواْ مَعَهُ عَلَىٰ أَمْرٍ جَامِعٍ لَّمْ يَذْهَبُواْ حَتَّىٰ يَسْتَأْذِنُوهُ } ، [و] قال في آية أخرى:إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ... } الآية [الحجرات: 15]، وقال في آية أخرى:إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَٰناً } [الأنفال: 2] هذا - والله أعلم - ليس أن ما ذكر من الاستئذان وترك الارتياب من حقيقة الإيمان بالتلاوة، ونحوه من شرط الإيمان، ولكن - والله أعلم - أن الأولى بالمؤمنين هذا ألا يذهبوا حتى يستأذنوا رسوله وألا يرتابوا، وأن يجاهدوا، وأن تزداد لهم التلاوة [و] ما ذكر، ليس على جعله شرطاً للإيمان، ولكن ما ذكرنا من الأولى بهم والاختيار ما ذكر، والله أعلم.

ثم ذكر في هذه الآية: أن المؤمنين لا يذهبون عنه ولا يفارقونه إلا بالاستئذان منهم من رسول الله، وذكر أن المنافقين يذهبون ويفارقونه تسللا ولواذاً؛ حيث قال: { قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً } وقال في آية أخرى:لاَ يَسْتَأْذِنُكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } [التوبة: 44] ذكر أنهم لا يستأذنوك، وإنما يستأذنك المنافقون بقوله:إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } [التوبة: 45] فهذه الآيات في ظاهر المخرج مختلفة وإن كانت في المعاني المدرجة فيها موافقة، فهذا سبيل من يحتج بظاهر المخرج؛ إذ للملاحدة أن تقول: هو مختلف في الظاهر وأنه من عند غير الله بقوله:وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخْتِلاَفاً كَثِيراً } [النساء: 82] فدل ما ذكرنا أن الاحتجاج بظاهر المخرج باطل، والاعتقاد به فاسد خيال.

وجائز أن يكون ما ذكر من استئذان المؤمنين وترك استئذان أولئك للخروج منه؛ لما لا يستأذنه المؤمنون للخروج من القتال إلا لعذر، وأولئك يستأذنونه للخروج لا للعذر؛ كقوله - تعالى -:إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ } [الأحزاب: 13] ونحوه، وأمّا المؤمنون فلا يستأذنونه إلا بعذر.

أو أن يكون ذلك في نوازل مختلفة، أو في فرق، أو أن يكون المؤمنون يظهرون له عذرهم ويفوضون أمرهم إلى رسول الله على أن ينظر في ذلك: فإن رأى الصواب أن ينصرفوا صرفهم، وإن رأى الصواب الكون والمقام معه أقاموا معه، والمنافقون لا على ذلك كانوا يفعلون، وعلى هذا - والله أعلم - جائز أن يخرج تأويل الآيات التي ذكرنا.

ثم قوله: { وَإِذَا كَانُواْ مَعَهُ } أي: مع رسول الله { عَلَىٰ أَمْرٍ جَامِعٍ } اختلف فيه: قال: بعضهم: يوم الجمعة، ويوم العيد.

وقال بعضهم: في الغزو والجهاد، يخبر أن المؤمنين يكونون معه، لا يذهبون عنه إلا بإذن، والمنافقون يتسللون ويذهبون مستخفين منه ويخرجون من عنده، وأصله: { وَإِذَا كَانُواْ مَعَهُ عَلَىٰ أَمْرٍ جَامِعٍ } أي: على أمر طاعة { لَّمْ يَذْهَبُواْ حَتَّىٰ يَسْتَأْذِنُوهُ }.

السابقالتالي
2 3