قوله: { لَّقَدْ أَنزَلْنَآ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ... } الآية؛ قد ذكرناه. وقوله: { وَيَِقُولُونَ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ } اختلف فيه: قال بعض أهل التأويل - ابن عباس وغيره -: إنه وقعت بين علي بن أبي طالب وبين عثمان - رضي الله عنه - خصومة في أرض اشتراها عثمان من علي، فاختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك، فقضى لعلي على عثمان، وألزمه الأرض، فقال قوم لعثمان: إنه ابن عمه وأكرم عليه فقضى عليك له، أو نحو هذا من الكلام، فنزل في قوم عثمان ذلك... إلى آخر ما ذكر. لكن هذا بعيد؛ إذ لا يحتمل أن يكون عثمان أو قومه يخطر ببالهم في رسول الله ما ذكر. وقال بعضهم: نزل هذا في بشر المنافق، وذلك أن رجلا من اليهود كان بينه وبين بشر خصومة، وأن اليهودي دعا بشراً إلى رسول الله، ودعاه بشر إلى كعب بن الأشرف، فقال: إن محمداً يحيف علينا، أو نحوه من الكلام؛ فنزل هذا؛ لكنا لا نعلم أنه فيمن نزل سوى أن فيه بياناً أنها إنما نزلت في المنافقين. وفي ظاهر الآية دلالة أنهم علموا أن رسول الله لا يقضي إلا بالحق؛ ألا ترى أنه ذكر في آخره: { وَإِن يَكُنْ لَّهُمُ ٱلْحَقُّ يَأْتُوۤاْ إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ } مسرعين مطيعين، ولو كان عندهم أنه يقضي بالجور لكانوا لا يأتونه للقضاء، وإن كان الحق لهم مخافة الجور والظلم عليهم، لكن ما ذكر في سياق هذا يمنع هذا التأويل. وقوله: { أَفِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ أَمِ ٱرْتَابُوۤاْ أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ } في هذا من الدلالة أن عندهم أنه لا يقضي بالحق لهم، وأنه يجور؛ حيث قال: { أَفِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ أَمِ ٱرْتَابُوۤاْ أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ } إن كان على هذا الوصف فهو يخاف جوره وحيفه، إلا أن تجعل الآية في فرق من المنافقين: فرقة منهم عرفوا أنه لا يقضي إلا بالحق، وفرقة منهم كان في قلوبهم مرض، وفرقة ارتابوا، وفرقة خافوا جوره، وهم كانوا فرقاً؛ ألا ترى أنه قال:{ وَمِنْهُمْ مَّنْ عَاهَدَ ٱللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ } [التوبة: 75] ومنهم من قال: كذا، ومنهم من قال: كذا. أو أن يكون تأويل قوله: { وَإِن يَكُنْ لَّهُمُ ٱلْحَقُّ يَأْتُوۤاْ إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ } أي: وإن يكن لهم القضاء بالحق أتوه مذعنين؛ أي: إذا عرفوا أنه يقضي لهم لا محالة أتوه، وإلا لا يأتونه، فإن كان على هذا، فما ذكر على سياقه من المرض والارتياب والخوف في الحيف فمستقيم. على هذين الوجهين يحتمل أن يخرج تأويل الآية، وأما على غير ذلك فإنا لا نعلم، والله أعلم.