الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ٱلْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ٱلزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيۤءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ يَهْدِي ٱللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ وَيَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلَيِمٌ } * { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ } * { رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلاَةِ وَإِيتَآءِ ٱلزَّكَـاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلْقُلُوبُ وَٱلأَبْصَارُ } * { لِيَجْزِيَهُمُ ٱللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَيَزِيدَهُمْ مِّن فَضْلِهِ وَٱللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }

قوله - عز وجل -: { ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } قال بعضهم: الله هادي السماوات والأرض، ثم انقطع الكلام فأخذ في نعت محمد صلى الله عليه وسلم وما ضرب له من الأمثال، فقال: { مَثَلُ نُورِهِ } ، يقول: نور محمد إذ كان في صلب أبيه { كَمِشْكَاةٍ } أي: كوة - بلغة الحبش - غير نافذة { فِيهَا مِصْبَاحٌ } أي: سراج المصباح.

يقول - والله أعلم -: ذلك السراج المضيء ضوؤه { فِي زُجَاجَةٍ } ، الزجاجة نعتها الصافية التامة الصفاء، والمشكاة: صلب أبيه عبد الله، والزجاجة وصفاؤها: محمد رسول الله، وطهره من الأدناس والمعاصي، والمصباح: نوره، وصفاؤه: قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما فيه من الإيمان، والحكمة، والنبوة، { كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ } أي: محمد صلى الله عليه وسلم ذكره مع أسماء الأنبياء، والرسل في اللوح المحفوظ عند الله في الفضيلة على تلك الأنبياء والرسل عليهم السلام كفضل الكوكب الدري - أي: المضيء، وهي الزهرة - على سائر الكواكب.

وقوله - عز وجل -: { يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ } يقول - والله أعلم -: استنار نور محمد من نور إبراهيم؛ لأن محمدا على دين إبراهيم وعلى سنته ومنهاجه، فمثل إبراهيم مثل الشجرة المباركة، وأصل محمد من نسل إبراهيم، صلوات الله عليهم.

وقوله - عز وجل -: { زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ } والزيتونة: المحاسن وطاعة إبراهيم لربه؛ فنفعه الله بحسن طاعته يوم القيامة، وفي غيره من المواطن، كما تنفع الزيتونة أهلها في الدنيا، فهي فاكهة وطعام، وهي إدام وهو الصباغ والدهن والدباغة يعني: زيتونة { لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ } يقول: إن إبراهيم صلوات الله عليه لم يكن نصرانيّاً لقول النصارى: هو نصراني يصلي قبلة النصارى من قبل المشرق، ولا يهوديّاً لقول اليهود: إنه كان على ديننا يصلي قبل المغرب ببيت المقدس، يقول الله تعالى: لم يكن كما قال هؤلاء، ولكن كان حنيفاً مسلماً مصليّاً إلى الكعبة، وهي قبلته وإليها حج.

وقوله: { يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيۤءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ } يقول - والله أعلم -: لو أن إبراهيم لم يكن نبيّاً لأصاب بحسن طاعة الله في الدنيا الفضل مع الأنبياء والرسل في الدنيا والدرجات العلا في الآخرة.

وقوله: { نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ }؛ لأن محمدا وما جاء به من الدين والكتاب أصل نوره من قبل إبراهيم؛ لأنه على دينه وسنته وكتابه ومنهاجه.

ثم قال: { يَهْدِي ٱللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ } الذي جاء [به] محمد صلى الله عليه وسلم، وهو النور، وهو القرآن [يهدي إليه] من يشاء ممن سبق [له] في علمه السعادة، ويضل عنه من يشاء ممن سبق له في علمه الشقاء.

ثم قال: { وَيَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ لِلنَّاسِ } يعني: ويصف الله الأمثال للناس؛ ليؤمنوا بالله ويوحدوه ويعرفوا نور نبيه من صنيعه، ويصدقوا بإبراهيم ومحمد - عليهما أفضل الصلوات - أنهما رسولا الرب، وهو تأويل مقاتل.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8