الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } * { وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَآئِهِنَّ أَوْ آبَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَآئِهِنَّ أَوْ أَبْنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِيۤ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَآئِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ ٱلتَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي ٱلإِرْبَةِ مِنَ ٱلرِّجَالِ أَوِ ٱلطِّفْلِ ٱلَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَىٰ عَوْرَاتِ ٱلنِّسَآءِ وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }

قوله: { قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ } روي عن علي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا علي إن لك كنزا في الجنة، وإنك ذو قرنيها فلا تتبع النظرة النظرة؛ فإن لك الأولى وليست لك الآخرة " وعن أنس - رضي الله عنه - [قال]: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا بن آدم لك أول نظرة فإياك الثانية ".

وعن جرير قال: " سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة فأمرني أن أصرف بصري ".

وعن ابن عباس قال: يغضوا أبصارهم عن شهواتهم فيما يكره الله.

ثم يحتمل قوله: { يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ } وجوهاً ثلاثة:

أحدها: غضوا أبصارهم لكي يحفظوا فروجهم؛ فإن حفظ الفرج إنما يكون بغض البصر وحفظه.

والثاني: يغضوا أبصارهم عن النظر إلى من لا تحل من الأجنبيات؛ لأن النظر إلى المحارم يحل، ويحفظوا فروجهم عن الكل من المحارم والأجنبيات إلا الذين استثناهم في آية أخرى.

والثالث: غضوا أبصارهم عما في أيدي الخلق، ولا تفتحوها إلى ما في أيديهم؛ كقوله:وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ... } الآية [طه: 131].

وقوله: { ذٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ } أي: أطهر لهم، وأدعى لهم إلى الصلاح من النظر.

وعلى هذه يخرج قوله: { وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ }.

وقوله: { وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا } روي عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: { إِلاَّ مَا ظَهَرَ }: الرداء والثياب.

وعن ابن عباس قال: { إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا }: الكحل والخاتم.

وفي رواية أخرى: الكف والوجه.

وعن عائشة قالت: { إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا }: القلب والفتخة، وهي خاتم أصبع الرجل.

وعن عبد: الله الزينة زينتان:

زينة باطنة لا يراها إلا الزوج.

وأما الزينة الظاهرة فالثياب.

والباطنة كالإكليل والسوار والخاتم.

فإن كان التأويل ما روي عن ابن مسعود حيث جعلها من الثياب وغيره، ففيه دلالة ألا يحل النظر إلى وجه امرأة أجنبية.

وإن كان ما قال ابن عباس ففيه دلالة حل النظر إلى وجه المرأة لا بشهوة.

وإن كان ما قالت عائشة من القلب والفتحة ففيه دلالة جواز النظر إلى الكفين والقدمين؛ لأنهما ظاهرتان باديتان؛ ألا ترى أنهما من الظواهر في فرض غسل الوضوء، وإن كان ذلك ففيه دلالة جواز صلاتها مع ظهور القدم.

وجائز أن يكون النظر إلى وجه المرأة حلالا إذا لم يكن بشهوة، لكن غض البصر وترك النظر أرفق وأزكى، كقوله:يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ ٱلْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ } [الأحزاب: 59] أنهن حرائر

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7