الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { ٱلزَّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَٱلزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَآ إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذٰلِكَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ }

قوله: { ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ }.

لو كان الخطاب يجب اعتقاده على ظاهر المخرج والعموم على ما قاله بعض الناس، لكان لكل أحد أن يقيم على آخر حدّاً بظاهر قوله: { فَٱجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ }؛ فيقول: الله أمرني بذلك بقوله: { فَٱجْلِدُواْ } ، أو أن يضربوا جميعاً واحدا من الزنا بظاهر قوله: { فَٱجْلِدُواْ }؛ فيزداد الضرب والحدّ على ما حدّ الله أضعافاً مضاعفة؛ فدل أن اعتقادهم العموم فاسد بظاهر المخرج.

أو أن يقول قائل: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " العينان تزنيان، واليدان تزنيان، والرجلان تزنيان، والفرج يصدق ذلك كله أو يكذبه " سمى الناظر إلى ما لا يحل نظره إليه زانيا، والماس لها: كذلك؛ فيلزمه الحدّ بظاهر قوله: { ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ }؛ فإذا لم يفهم من ظاهر قوله: { ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي } ما ذكرنا كله؛ دل أن الاعتقاد على عموم المخرج فاسد، وأن المراد بقوله: { ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ } - راجع إلى الخصوص: إلى مقيم دون مقيم، وإلى زان دون زان، وهو الزاني الذي يجمع في فعل الزنا جميع بدنه: العين، واليد، والرجل، والفرج، وجميع بدنه.

ورجع الخطاب به إلى البكرين الحرين والثيبين الحرين الذين لم يستجمعا جميعاً أحكام الإحصان.

فأما من استجمع جميع أسباب الإحصان فإن حدّه الرجم على اتفاق القول منهم جميعاً، إلا أن طائفة من أهل العلم أوجبوا عليه مع الرجم الجلد، وفي البكر مع الجلد تغريب عام.

والدليل على أن المراد راجع إلى الحرين البكرين أو الثيبين اللذين لم يستجمعا أسباب الإحصان ما ذكرنا من القول المتفق.

وقوله:فَإِذَآ أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَٰحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى ٱلْمُحْصَنَٰتِ مِنَ ٱلْعَذَابِ } [النساء: 25]، دل إيجاب نصف ما على المحصنات على الإماء على أنه أراد بالمحصنات: الحرائر اللاتي لم يستجمعن جميع أسباب الإحصان، وأن الخطاب بقوله: { ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي } إلى آخر ما ذكر راجع إلى الحرين اللذين ذكرناهما.

ثم لم يضرب في الزنا الذي به زنا، وهو الفرج، وقطع في السرقة الذي به سرق: وهو اليد؛ فهو - والله أعلم - لما جعل الحدود زواجر عن المعاودة - لم تجعل دافعة مذهبة إمكان ذلك الفعل من الأصل، وفي ضرب الفرج ذهاب إمكان الفعل من الأصل، ولا كذلك في قطع اليد في السرقة؛ إذ تبقى أخرى: بها يأخذ، وبها يقبض؛ لذلك افترقا.

أو أن يقال: في ضرب الفرج خوف هلاكه في الأغلب، وليس ذلك في قطع اليد؛ بل يبقى حيّاً في الغالب، وقد ذكرنا أن الحدود لم تجعل مهلكة متلفة؛ ولكن جعلت زواجر عن المعاودة؛ لذلك افترقا.

السابقالتالي
2 3 4 5 6