الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَهْلِهَا ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } * { فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فِيهَآ أَحَداً فَلاَ تَدْخُلُوهَا حَتَّىٰ يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمْ ٱرْجِعُواْ فَٱرْجِعُواْ هُوَ أَزْكَىٰ لَكُمْ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } * { لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ }

قوله: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَهْلِهَا } روي عن عبد الله بن عباس أنه كان يقرؤها: (حتى تسـتأذنوا وتسلموا على أهلها). وقال: { تَسْتَأْنِسُواْ } وهم من الكاتب.

وقال بعضهم: الاستئناس: الاستئذان.

وقال بعضهم: الاستئناس: الاستعلام، وهو أن يطلب من أهل البيت الإذن بالدخول، والاستئذان هو طلب الإذن منهم للدخول.

وروي عن أبي أيوب قال: " قلنا: يا رسول الله، هذا السلام قد عرفناه فما الاستئذان؟ قال: " أن يرفع صوته بالتحميد أو بالتسبيح أو بالتكبير ليؤذن للدخول " فإن ثبت هذا فهو إلى الاستعلام أقرب وهو كقوله:فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً } [النساء: 6] أي: علمتم.

ثم قال بعضهم: قوله: (حتى تستأذنوا وتسلموا على أهلها) على التقديم والتأخير، أي: حتى تسلموا وتستأنسوا، وهو أن يبدأ فيقول: السلام عليكم ورحمة الله! أدخل أو لا؟ ثم يستأذن، وهو ما روي: " السلام قبل الكلام ".

ولكن عندنا أن الاستئذان للدخول فإذا أذن بالدخول فدخل فعند ذلك يسلم عليهم كقوله:فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً } [النور: 61] فإنما أمر بالسلام بعد الدخول؛ فعلى ذلك هذا يستأذن للدخول فإذا أذن له فدخل فبعد الدخول يسلم عليهم؛ لأنه لو سلم أولا ثم استأذن احتاج إلى أن يسلم ثانياً إذا دخل؛ فهذا الذي ذكرنا أشبه بعمل الناس وظاهر الآية، والله أعلم.

ثم قوله: { لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ } لم يرجع إلى المساجد ونحوه بل يرجع ذلك إلى بيوت مسكونة؛ فذلك يدل لقولنا: إن من حلف ألا يدخل بيتاً فدخل المسجد لم يحنث.

وقوله: { ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } أي: ذلك الاستئذان والتسليم خير لكم من ترك الاستئذان؛ لأنه ترك التأدب بما أدبه الله وعلمه { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } ، أي: تتعظون بأدب الله، وروي في بعض الأخبار: " أن من دخل بيتاً بغير إذن قال له الملك الموكل به: عصيت وآذيت فيسمع صوته الخلق كله غير الثقلين، ويصعد صوته إلى السماء الدنيا، فيقول ملائكة السماء: إن فلاناً عصى ربه وأذى ".

وقوله: { فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فِيهَآ أَحَداً فَلاَ تَدْخُلُوهَا حَتَّىٰ يُؤْذَنَ لَكُمْ } هذا يدل على أن الاستئذان وطلب الإذن لا لحيث أنفسهم خاصة ولكن لأنفسهم ولما لهم في البيوت من الأموال؛ لأنه قال: { فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فِيهَآ أَحَداً فَلاَ تَدْخُلُوهَا } لم يأذن لهم بالدخول فيها وإن لم يكن فيها أحد حتى يأذن أرباب الأموال والمنازل بالدخول فيها؛ ليعلم أن النهي عن الدخول للأنفس والأموال جميعاً؛ لأن الناس يتخذون البيوت والمنازل صوناً للأنفس والأموال جميعاً، فكما يكرهون اطلاع غيرهم على أنفسهم وعيالاتهم فلا يطيب أنفسهم أيضاً [باطلاع غيرهم] على أموالهم وأمتعتهم فلا يدخل إلا بإذن من أهلها، والله أعلم.

السابقالتالي
2 3