قوله: { قُل رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ * رَبِّ فَلاَ تَجْعَلْنِي فِي ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ }. وقوله: { رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ }: يحتمل على وجهين: أحدهما: { قُل رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ * رَبِّ فَلاَ تَجْعَلْنِي فِي ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ }؛ لأنه كان وعد له أن يريه بعض ما وعد لهم بقوله:{ فَـإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ } [غافر: 77]؛ فلا نريك شيئاً؛ فقال: ربّ إن أريتني ما يوعدون أو لا تريني فلا تجعلني في القوم الظالمين. والثاني: أنك، وإن أريتني ما تعدهم على التحقيق، فلا تجعلني في القوم الظالمين. ثم يحتمل قوله: { فَلاَ تَجْعَلْنِي فِي ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } وجهين: أحدهما: لا تجعلني في القوم الظالمين: في العذاب الذي وعدت لهم أن ينزل؛ لأنه من العدل أن يعذبه ويعامله معاملة أهل العدل؛ كأنه يقول: ربّ لا تعاملني معاملتك إياهم، وإن كان ذلك من العدل أن تعاملني مثل ما تعامل أولئك؛ لأن رسول الله، وإن لم يكن [له] زلات ظاهرة، فلقد كان من الله إليه من النعم والإحسان: ما لو أخذ بشكر ذلك لم يقدر على أداء شكر واحدة منها فضلا عن أن يؤدي شكر الكل؛ ألا ترى أنه روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا يدخلُ أحدٌ الجنةَ إلا برحمةِ اللهِ؛ فقيلَ: ولا أنتَ يا رسولَ اللهِ؟ فقالَ: ولا أنا إلا أَنْ يتغمدني اللهُ برحمتِهِ ". ويحتمل قوله: { فَلاَ تَجْعَلْنِي فِي ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ }: في الزيغ والغواية، يسأل ربّه أن يعصمه عن الزيغ بالضلال والغواية الذي عليه القوم الظالمون، وهو كدعاء إبراهيم ربّه وسؤال العصمة عن الزيغ بقوله:{ رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا ٱلْبَلَدَ ءَامِناً وَٱجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ ٱلأَصْنَامَ } [إبراهيم: 35]، وإن كان وعد لهم العصمة عن ذلك، والله أعلم. وقوله: { وَإِنَّا عَلَىٰ أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ }. هذا أيضاً يحتمل وجهين: أحدهما: يخبر رسوله أنه ليس لعجز يؤخر ما وعد لهم من العذاب؛ ولكن لحلم منه وعفو، وهو كقوله - عز وجل -:{ وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ ٱلظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ } [إبراهيم: 42]: على التنبيه والإيقاظ؛ فعلى ذلك يحتمل هذا. والثاني: يعزي رسول الله ويصبره على أذاهم إياه، يقول: إني مع قدرتي على إنزال العذاب عليهم والانتقام منهم أحلم عنهم وأؤخر عنهم؛ فأنت من ضعفك عن ذلك أولى أن تصبر على أذاهم، وعلى هذا يخرج قوله: { ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ٱلسَّيِّئَةَ } ، أي: لا تكافئهم لأذاهم إياك، ولا تشغل بهم بمجازاة ذلك [وادفع] بأحسن [من] ذلك وكِلْ مكافأتهم إليَّ حتى أنا أكافئهم. { نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ } من الكذب والأذى الذي يؤذونك. والثاني: { ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ٱلسَّيِّئَةَ } ، أي: ادفع سيئاتهم المتقدمة بإحسان يكون منك إليهم؛ ليكونوا لك أولياء وإخوانا في حادث الأوقات، وهو كقوله: