الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَـٰذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِّن دُونِ ذٰلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ } * { حَتَّىٰ إِذَآ أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِٱلْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ } * { لاَ تَجْأَرُواْ ٱلْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِّنَّا لاَ تُنصَرُونَ } * { قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ } * { مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِراً تَهْجُرُونَ } * { أَفَلَمْ يَدَّبَّرُواْ ٱلْقَوْلَ أَمْ جَآءَهُمْ مَّا لَمْ يَأْتِ آبَآءَهُمُ ٱلأَوَّلِينَ } * { أَمْ لَمْ يَعْرِفُواْ رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ } * { أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَآءَهُمْ بِٱلْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ } * { وَلَوِ ٱتَّبَعَ ٱلْحَقُّ أَهْوَآءَهُمْ لَفَسَدَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِمْ مُّعْرِضُونَ } * { أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ }

قوله: { بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَـٰذَا }.

قيل: في عماية وجهالة وغفلة، { مِّنْ هَـٰذَا }: من الكتاب الذي فيه أعمالهم، وأحصى عليهم. وقال قائلون في قوله: { بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَـٰذَا }: أي: من هذا القرآن الذي ينطق بالحق، أي: قلوبهم في عماية وغفلة من هذا القرآن.

وجائز أن يكون قوله: { مِّنْ هَـٰذَا } من الأعمال التي ذكر للمؤمنين فيما تقدم: من ذلك قوله: { إِنَّ ٱلَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيةِ رَبِّهِمْ مُّشْفِقُونَ * وَٱلَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبَّهِمْ يُؤْمِنُونَ... } إلى آخر ما ذكر من أعمالهم، فأخبر أن قلوب أولئك الكفرة في غفلة وعماية من الأعمال التي عملها المؤمنون، والله أعلم.

وقوله: { وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِّن دُونِ ذٰلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ }.

اختلف فيه: قال بعضهم: { وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِّن دُونِ ذٰلِكَ } ، أي: من دون ما عمل أولئك الكفرة من الأعمال التي تقدم ذكرها: من قوله: { فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّىٰ حِينٍ * أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي ٱلْخَيْرَاتِ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ * إِنَّ ٱلَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيةِ رَبِّهِمْ مُّشْفِقُونَ } على ما ذكر، ثم أخبر أن لهم أعمالا دون ما ذكر.

وقال قائلون: { وَلَهُمْ أَعْمَالٌ } ، يعني: المؤمنين الذين ذكر أعمالهم، أي: لهم أعمال دون الذي ذكر لهم دون تلك الأعمال.

وقوله: { حَتَّىٰ إِذَآ أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِٱلْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ }.

قال أهل التأويل: ذلك في العذاب الذي أخذ أهل مكة في الدنيا من الجوع الذي نزل بهم حتى أكلوا الجيف والعظام المحرقة ونحوه.

لكن الأشبه أن يكون ذلك في عذاب الآخرة؛ ألا ترى أنه يقول: { إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ } أي: يتضرعون.

ويقول أيضاً: { قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ } فإنما يخبر: أن كنتم تفعلون كذا في الدنيا، ويذكر: { إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ }؛ فلا يحتمل أن يتضرعوا إليه في الدنيا، ثم لا يقبل منهم ذلك التضرع، أو ينهاهم عن التضرع بقوله: { لاَ تَجْأَرُواْ ٱلْيَوْمَ }؛ فدل ذلك أنه في الآخرة، وهو ما ذكر:فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا... } الآية [غافر: 84]؛ مثل هذا يكون في الآخرة، وفي الدنيا ما ذكر:وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِٱلْعَذَابِ فَمَا ٱسْتَكَانُواْ لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ } [المؤمنون: 76]: ذكر في عذاب الدنيا أنهم لم يتضرعوا في الدنيا عند نزول العذاب بهم، [و] لا يقبل منهم التضرع والاستكانة؛ دل ذلك أنه ما ذكرنا؛ ألا ترى أنه قال:

{ لاَ تَجْأَرُواْ ٱلْيَوْمَ }.

نهاهم عن التضرع، ولا يحتمل النهي عن ذلك.

وقوله: { إِنَّكُمْ مِّنَّا لاَ تُنصَرُونَ }.

أي: لا تمنعون من عذابه.

وقوله: { قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ }.

قوله: { عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ } ترجعون على التمثيل، ليس على التحقيق؛ لأنهم إذا رجعوا على الأعقاب صار ما كان أمامهم وراءهم؛ فكأنهم نبذوا ذلك وراء ظهورهم.

السابقالتالي
2 3 4 5