الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّىٰ حِينٍ } * { أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ } * { نُسَارِعُ لَهُمْ فِي ٱلْخَيْرَاتِ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ }

[قوله:] { فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّىٰ حِينٍ } ، وقال في آية أخرى:فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ وَيَلْعَبُواْ } [الزخرف: 83]، وقال:وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } [الأنعام: 110]، فذلك يحتمل وجوهاً:

أحدها: قال ذلك عند الإياس عن إجابتهم لما علم أنهم لا يؤمنون، وذلك في قوم مخصوصين؛ كأنه قال: ذر هؤلاء، وأقبل [على] هؤلاء الذين يقبلون أمرك، ويجيبون دعاءك ويسمعونه.

والثاني: فذرهم في غمرتهم، ولا تكافئهم حتى أنا أكافئهم؛ كقوله:فَذَرْهُمْ حَتَّىٰ يُلَـٰقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ } [الطور: 45].

والثالث: أمره أن يعرض عنهم؛ لئلا يخوضوا في سب الله والطعن في الآية، كقوله:وَإِذَا رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ يَخُوضُونَ فِيۤ ءَايَاتِنَا... } الآية [الأنعام: 68].

وقوله: { حَتَّىٰ حِينٍ }: يحتمل القيامة، ويحتمل وقتاً آخر لم يبين، والله أعلم.

قال أبو عوسجة: قوله: { إِلَىٰ رَبْوَةٍ }: المكان المرتفع، و (آويته)، أي: أويته.

وقال القتبي: الربوة، الارتفاع، وكل شيء ارتفع أو زاد فقد ربا، ومنه الربا في البيع.

قال أبو معاذ: للعرب في الربوة أربع لغات: رَبوة ورِبوة ورُبوة ورباوة.

وقوله: { ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ } ، قال أبو عوسجة: المعين: الماء الظاهر الجاري، والقرار: الثبات، وتقول منه: يقرأ قرارا فهو قار، وأقررته، أي: أثبته، وكذلك قال القتبي، وقال: معين ماء ظاهر، وهو مفعول من العين: كان أصله (معيون)؛ كما يقال: ثوب مخيط، وبُرّ مكيل.

وقوله: { فِي غَمْرَتِهِمْ } ، قيل: في ضلالتهم [و] غفلتهم.

وقال [بعضهم]: الغمر: الماء الكثير، وغمرة الحرب وسطها، [و] غمرة الموت: شدته، [و] رجل غمر، أي: سخي، ليس به شح، وجمعه: غمار، ويقال: غمره الماء، أي: صار فوقه. قال [بعضهم]: والغمر: عداوة، والغمر: الذي لم يجرب الأمور، وقوم أغمار، والغمر: الوسم، والغمرة: الشدة، والغمرات جمع، والغمر: القدح الصغير، والمغامرة: المخاطرة، تقول: غامر بنفسه، أي: خاطر بها.

وقوله: { أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي ٱلْخَيْرَاتِ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ }.

حسب أولئك الكفرة أن ما أمدّ لهم من الأموال والبنين - ما أعطى لهم - إنما أعطى خيراً لهم وبرّاً لا شرّاً، فأخبر - عز وجل - وكذبهم في حسبانهم الذي حسبوا، فقال: { بَل لاَّ يَشْعُرُونَ } أنه إنما أعطى لهم ذلك شرّا، وإنما مثل ما حسب أولئك الكفرة فيما أعطوا من الأموال والبنين إنما أعطوا خيراً - حسب المعتزلة في قولهم: إن الله تعالى لا يفعل بأحد من الخلق إلا ما هو أصلح له في الدين؛ فأخبر أن ذلك ليس بخير لهم في الدين ولا أصلح لهم، وهو ما ذكر في قوله:إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوۤاْ إِثْمَاً } [آل عمران: 187]، وهم يقولون: إنما يملي لهم ليزدادوا خيراً وبرّاً.

وكذلك قالوا في قوله:فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَٰلُهُمْ وَلاَ أَوْلَـٰدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا }

السابقالتالي
2