الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ } * { فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ } * { وَقَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱلآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي ٱلْحَيـاةِ ٱلدُّنْيَا مَا هَـٰذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ } * { وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِّثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ } * { أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَاباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُّخْرَجُونَ } * { هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ } * { إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ } * { إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ ٱفتَرَىٰ عَلَىٰ ٱللَّهِ كَذِباً وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ } * { قَالَ رَبِّ ٱنْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ } * { قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَّيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ } * { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ بِٱلْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَآءً فَبُعْداً لِّلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ }

قوله: { ثُُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ }.

قيل: من بعد قوم نوح قرناً آخرين: عادا وغيرهم.

{ فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ }.

قالوا: هوداً.

{ أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ }.

جميع الأنبياء والرسل إنما بعثوا بالدعاء إلى توحيد الله، وجعل العبادة له.

وقوله: { أَفَلاَ تَتَّقُونَ }.

مخالفته، أو عبادة من دونه، وجميع معاصيه، على ما ذكرنا من قبل.

وقوله: { وَقَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱلآخِرَةِ }.

أي: بالبعث.

{ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي ٱلْحَيـاةِ ٱلدُّنْيَا }.

قال بعضهم: أترفناهم، أي: بسطنا لهم في الدنيا حتى ركبوا المعاصي.

وقال بعضهم: المترف: الغني الطاغي.

وقوله: { مَا هَـٰذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ * وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِّثْلَكُمْ... } الآية.

قد ذكرنا فيما تقدم أنهم تناقضوا في قولهم: { مَا هَـٰذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ... } إلى قوله: { وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِّثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ }؛ لما أنهم منعوا الأتباع عن أن يتبعوا الرسول ويطيعوه؛ لأنه بشر مثلهم، ثم طلبوا منهم الطاعة لهم والاتباع في أمورهم، وهم بشر أمثالهم؛ فذلك تناقض في القول وفساد.

وقوله: { أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَاباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُّخْرَجُونَ * هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ }.

قال بعضهم: قوله: { هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ }: استبعاد الأمر وإنكاره، أي: بعيداً بعيداً، أي: أمر لا يكون.

وقوله: { إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا }.

إن كان هذا القول من الثنوية والدهرية فقوله: { نَمُوتُ وَنَحْيَا }: هم بأنفسهم؛ لأنهم يقولون: يموت الإنسان فيحيا غيره من البقر والحمر وغيره من تراب إذا أكل.

وإن كان هذا القول من غير الثنوية فنقول: قوله: { نَمُوتُ وَنَحْيَا } ، أي: نموت نحن ويحيا الأبناء.

وذكر في حرف ابن مسعود وأبي: (نحيا ونموت وما نحن بمبعوثين).

وقوله: { إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ ٱفتَرَىٰ عَلَىٰ ٱللَّهِ كَذِباً وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ } هذا قولهم.

وقوله: { قَالَ رَبِّ ٱنْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ }.

قد ذكرناه.

{ قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَّيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ }.

أي: عما قريب يندمون بالتكذيب عن هذا القول الذي قالوه والإنكار الذي أنكروه، لا شك في ذلك.

وقال القتبي: { وَأَتْرَفْنَاهُمْ } ، أي: وسعنا عليهم حتى أترفوا، والترفة منه، ومثلها: تحفة، كأن المترف هو الذي يتحف.

وقال غيره: { وَأَتْرَفْنَاهُمْ } ، أي: أنعمنا عليهم وبسطنا لهم؛ فكله يرجع إلى واحد.

قال أبو عوسجة: قوله: { هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ } هذا تبعيد للأمر، أي: أنه أمر بعيد؛ على ما ذكرنا أنه لا يكون.

وقوله: { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ بِٱلْحَقِّ }.

قد ذكرناه.

وقوله: { فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَآءً }.

قال بعضهم: الغثاء: اليابس الهامد كنبات الأرض إذا يبس.

وقال بعضهم: الغثاء: هو الذي يحمله السيل بالموج.

[و] قال أبو معاذ:غُثَآءً أَحْوَىٰ } [الأعلى: 5]، أي: أسود.

وقال بعضهم: غثاء، أي: موتى.

وجائز أن يكون تأويل قوله: { غُثَآءً } ، أي: كالشيء المنسيّ الذي لا يذكر ألبتة؛ لأن أولئك الفراعنة والأكابر إذا هلكوا لم يذكروا ألبتة، و [لا] افتخر أحد من أولادهم بهم من بعد الهلاك، كما افتخر أولاد الأنبياء والرسل والصالحين بآبائهم وأجدادهم من بعدهم، وصاروا مذكورين إلى أبد الآبدين، فأما أولئك: صاروا خاملي الذكر كالشيء الخسيس المنسي المتروك.

السابقالتالي
2