قوله: { ثُُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ }. قيل: من بعد قوم نوح قرناً آخرين: عادا وغيرهم. { فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ }. قالوا: هوداً. { أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ }. جميع الأنبياء والرسل إنما بعثوا بالدعاء إلى توحيد الله، وجعل العبادة له. وقوله: { أَفَلاَ تَتَّقُونَ }. مخالفته، أو عبادة من دونه، وجميع معاصيه، على ما ذكرنا من قبل. وقوله: { وَقَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱلآخِرَةِ }. أي: بالبعث. { وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي ٱلْحَيـاةِ ٱلدُّنْيَا }. قال بعضهم: أترفناهم، أي: بسطنا لهم في الدنيا حتى ركبوا المعاصي. وقال بعضهم: المترف: الغني الطاغي. وقوله: { مَا هَـٰذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ * وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِّثْلَكُمْ... } الآية. قد ذكرنا فيما تقدم أنهم تناقضوا في قولهم: { مَا هَـٰذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ... } إلى قوله: { وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِّثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ }؛ لما أنهم منعوا الأتباع عن أن يتبعوا الرسول ويطيعوه؛ لأنه بشر مثلهم، ثم طلبوا منهم الطاعة لهم والاتباع في أمورهم، وهم بشر أمثالهم؛ فذلك تناقض في القول وفساد. وقوله: { أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَاباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُّخْرَجُونَ * هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ }. قال بعضهم: قوله: { هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ }: استبعاد الأمر وإنكاره، أي: بعيداً بعيداً، أي: أمر لا يكون. وقوله: { إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا }. إن كان هذا القول من الثنوية والدهرية فقوله: { نَمُوتُ وَنَحْيَا }: هم بأنفسهم؛ لأنهم يقولون: يموت الإنسان فيحيا غيره من البقر والحمر وغيره من تراب إذا أكل. وإن كان هذا القول من غير الثنوية فنقول: قوله: { نَمُوتُ وَنَحْيَا } ، أي: نموت نحن ويحيا الأبناء. وذكر في حرف ابن مسعود وأبي: (نحيا ونموت وما نحن بمبعوثين). وقوله: { إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ ٱفتَرَىٰ عَلَىٰ ٱللَّهِ كَذِباً وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ } هذا قولهم. وقوله: { قَالَ رَبِّ ٱنْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ }. قد ذكرناه. { قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَّيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ }. أي: عما قريب يندمون بالتكذيب عن هذا القول الذي قالوه والإنكار الذي أنكروه، لا شك في ذلك. وقال القتبي: { وَأَتْرَفْنَاهُمْ } ، أي: وسعنا عليهم حتى أترفوا، والترفة منه، ومثلها: تحفة، كأن المترف هو الذي يتحف. وقال غيره: { وَأَتْرَفْنَاهُمْ } ، أي: أنعمنا عليهم وبسطنا لهم؛ فكله يرجع إلى واحد. قال أبو عوسجة: قوله: { هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ } هذا تبعيد للأمر، أي: أنه أمر بعيد؛ على ما ذكرنا أنه لا يكون. وقوله: { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ بِٱلْحَقِّ }. قد ذكرناه. وقوله: { فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَآءً }. قال بعضهم: الغثاء: اليابس الهامد كنبات الأرض إذا يبس. وقال بعضهم: الغثاء: هو الذي يحمله السيل بالموج. [و] قال أبو معاذ:{ غُثَآءً أَحْوَىٰ } [الأعلى: 5]، أي: أسود. وقال بعضهم: غثاء، أي: موتى. وجائز أن يكون تأويل قوله: { غُثَآءً } ، أي: كالشيء المنسيّ الذي لا يذكر ألبتة؛ لأن أولئك الفراعنة والأكابر إذا هلكوا لم يذكروا ألبتة، و [لا] افتخر أحد من أولادهم بهم من بعد الهلاك، كما افتخر أولاد الأنبياء والرسل والصالحين بآبائهم وأجدادهم من بعدهم، وصاروا مذكورين إلى أبد الآبدين، فأما أولئك: صاروا خاملي الذكر كالشيء الخسيس المنسي المتروك.