الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَآئِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ ٱلْخَلْقِ غَافِلِينَ } * { وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّٰهُ فِي ٱلأَرْضِ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَٰدِرُونَ } * { فَأَنشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَّكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } * { وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَآءَ تَنبُتُ بِٱلدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلآكِلِيِنَ } * { وَإِنَّ لَكُمْ فِي ٱلأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فيِهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } * { وَعَلَيْهَا وَعَلَى ٱلْفُلْكِ تُحْمَلُونَ }

قوله: { وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَآئِقَ }.

قال بعضهم: سبع سماوات.

وقال بعضهم: سبعة أفلاك.

يذكر هذا - والله أعلم - أيهما كان السماوات أو الأفلاك التي جعل لأمر الخلق ولحوائجهم؛ لوجهين:

أحدهما: يخبر عن قدرته وسلطانه وغناه: أن من قدر على خلق ما ذكر وإنشائه بلا سبب، لقادر على إنشاء الخلق لا من شيء.

والثاني: أن من قدر على هذا يقدر على بعثهم وإحيائهم بعد الموت.

قال القتبي: سبع طرائق، أي سبع سماوات: كل سماء طريقة، ويقال عن الأفلاك: كل واحد طريق.

وإنما سمي طرائق؛ لأن بعضها فوق بعض، يقال: طارقت الشيء؛ إذا جعلت بعضه على بعض. ويقال: وبشر طرائق.

وغيره قال: طرائق أهواء مختلفة.

وقوله: { وَمَا كُنَّا عَنِ ٱلْخَلْقِ غَافِلِينَ }.

أي: لم نخلقهم على جهل منا بأحوالهم؛ ولكن على علم منا بذلك.

ولا يحتمل أن يكون خلقه إياهم على علم منه، ثم يخلقهم للفناء لا لعاقبة تتأمل؛ لأن من يفعل هذا في الشاهد إنما يفعل إما للجهل به أو لحاجة، والله يتعالى عن ذلك كله.

أو أن يكون قوله: { وَمَا كُنَّا عَنِ ٱلْخَلْقِ غَافِلِينَ }: خلق ما ذكر، أي: إذا عرفتم أن خلق هذه الأشياء لا لأنفسها، ولكن لأنفسكم ولمنافعكم، فلا يحتمل أن يكون خلقها لكم بلا محنة ولا ابتلاء، فإن ثبت المحنة فيكم ثبت الثواب والعقاب؛ فإن ثبت هذا ثبت البعث والحياة، والله أعلم.

وقوله: { وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً بِقَدَرٍ }.

قال بعضهم: بقدر: بعلم منّا.

وقال بعضهم: ما يقع لهم الحاجة والكفاية.

وجائز أن يكون قوله: { بِقَدَرٍ } ، أي: معلوم مقدر، لا يتقدم ولا يتأخر، ولا يزداد ولا ينتقص، ولكن على ما قدر، وكذلك جميع الأشياء.

وقوله: { فَأَسْكَنَّٰهُ فِي ٱلأَرْضِ }.

يذكر هذا ويخبر عن قدرته وسلطانه: أن من قدر على استنزال الماء من السماء يقدر على البعث وعلى خلق الشيء لا من شيء؛ إذ لا أحد من الخلائق يقدر على ذلك إلا بالحيل التي علّمه الله.

أو أن يكون يقول: إنه حيث جعل منافع الأرض متصلة بمنافع السماء، ومنافع السماء [متصلة] بمنافع الأرض؛ [على] بعد ما بينهما، دل اتصال منافع أحدهما بالآخر، [مع] بعد ما بينهما على أن منشئهما واحد، ومدبّرهما واحد عالم بذاته.

وقوله: { وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَٰدِرُونَ }.

كقوله:أَوْ يُصْبِحَ مَآؤُهَا غَوْراً... } الآية [الكهف: 41].

وقوله: { فَأَنشَأْنَا لَكُمْ بِهِ }.

أي: بالماء.

{ جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ }.

أي: الكروم؛ يذكر نعمة الله [التي] أنعمها عليهم من الماء الذي به حياة الأبدان والأشياء جميعاً؛ ليتأدى به شكره وعبادته.

وقوله: { فَأَنشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَّكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ }.

إن كان قوله: { لَّكُمْ فِيهَا } ، أي: في الجنات؛ حيث ذكر أنه أنشأ لنا فواكه كثيرة؛ ففيه حجة لأبي حنيفة - رحمه الله - أن من حلف ألا يأكل فاكهة، فأكل عنبا - لم يحنث؛ حيث ذكر النخيل والأعناب، وذكر فيها الفواكه على حدة.

السابقالتالي
2 3