الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَن يَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـهَا آخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلْكَافِرُونَ } * { وَقُل رَّبِّ ٱغْفِرْ وَٱرْحَمْ وَأنتَ خَيْرُ ٱلرَّاحِمِينَ }

قوله: { وَمَن يَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـهَا آخَرَ }.

ظاهر هذا يوحي أن هنالك إلهاً آخر؛ لأنه قال: { وَمَن يَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـهَا آخَرَ } ، لكنه يخرج على وجهين:

أحدهما: لا يحتمل مع الله إلهاً آخر؛ كقوله:وَلاَ تَجْعَلُواْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ } [الذاريات: 51].

والثاني: { وَمَن يَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـهَا آخَرَ } ، أي: من يسم مع الله إلهاً آخر؛ إذ كانوا يسمون الأصنام التي كانوا يعبدونها: آلهة، على هذين الوجهين يخرج تأويل الآية.

وقوله: { لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ }.

أي: لا حجة لهم بذلك؛ لأن الحجة إنما تكون بوجوه ثلاثة:

إما بالأخبار التي يجوز الشهادة على صدقها وصحتها.

وأما العقول السليمة.

وأما من جهة الحس يدل على ذلك؛ فلم يكن لهم واحد من هذه الوجوه.

ثم الحسّ يكون بالدلالة من وجهين: إما بوقوع الحس عليه بالبديهة أو بآثار تدل على الألوهية؛ فلا كان في ظاهر وقوع الحس دلالة ذلك، ولا كان بها آثار تدل على ذلك، بل فيها آثار العبودة والذل، فضلا أن يكون لها آثار الألوهية، فلا عذر لهم في ذلك؛ لأن العبادة لآخر إنما تكون: إما للنعم والأيادي تكون منه إليه؛ فيعبده شكراً لما أنعم عليه وأحسن إليه، وإما لحوائج يطمع قضاءها له، وإما لما يرى له في نفسه من آثار العبودة له؛ فإذا لم يكن واحد من هذه الوجوه التي ذكرنا فلا عذر لهم في عبادة تلك الأصنام.

فإن قالوا: لنا برهان وحجة في ذلك.

قيل: قطع حجاجكم بما ذكر من قوله:إِنْ أَرَادَنِيَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ... } الآية [الزمر: 38]، وقوله:فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ ٱلضُّرِّ عَنْكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً } [الإسراء: 56]، ونحو ذلك من الآيات: فيها قطع حجاجهم.

وفي حرف حفصة: { لاَ بُرْهَانَ لَهُ } ، أي: لا سلطان له به.

وقوله: { فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ }.

قال قائلون: { حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ } هو قوله: { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلْكَافِرُونَ } ، وقال بعضهم: { حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ } أي: جزاؤه عند ربه؛ كقوله:إِنَّ إِلَيْنَآ إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ } [الغاشية: 25-26].

وقوله: { وَقُل رَّبِّ ٱغْفِرْ وَٱرْحَمْ وَأنتَ خَيْرُ ٱلرَّاحِمِينَ }.

جائز أن يكون هذا تعظيماً من الله لكل أحد سؤال المغفرة والرحمة، وقيل: هو لرسول الله صلى الله عليه وسلم فهو يخرج على وجهين:

أحدهما: حكمته وعدله ألا يرحم ولا يغفر أحداً، وإن كان في فضله ورحمته أن يرحم ويغفر.

والثاني: يجعل له العصمة والرحمة بهذا الدعاء.

أو أن يكون العصمة تزيد في الخوف، كقول إبراهيم:رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا ٱلْبَلَدَ ءَامِناً وَٱجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ ٱلأَصْنَامَ } [إبراهيم: 35]، وقوله:رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا } [آل عمران: 8].

وقوله: { وَأنتَ خَيْرُ ٱلرَّاحِمِينَ }؛ لأن رحمته إذا أدركت أحداً أغنته عن رحمة غيره، ورحمة غيره لا تغنيه عن رحمته، والله الموفق، وصلى الله على سيدنا محمد وآله أجمعين.