قوله: { ومِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ } يحتمل قوله: { بِغَيْرِ عِلْمٍ } حسي { وَلاَ هُدًى } أي: لا بيان دليلي من جهة العقل { وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ } أي: ولا وحي ينير ما يجادل فيه ويخاصم. ويحتمل أن يكون قوله: { بِغَيْرِ عِلْمٍ } أي: بغير إذعان ممّن عنده العلم { وَلاَ هُدًى } لا استسلام لمن عنده الدليل، ولا خضوع لمن عنده كتاب منير. وقوله: { ثَانِيَ عِطْفِهِ } قال بعضهم: لاوي عنقه إلى معصية الله. وقال بعضهم: ناظر في عطفه، أي: في جانبه، ومثل هذا. لكن حقيقته تخرج على وجهين: أحدهما: على التمثيل والكناية عن إعراضه عن دين الله الحق والصدود عنه، كقوله:{ ٱنْقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ } [الحج: 11] وقوله:{ ٱنْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ } [آل عمران: 144] ونحوه، كله على التمثيل والكناية عن الإعراض عن الحق والصدود، لا على حقيقة الانقلاب على الأعقاب؛ فعلى ذلك جائز قوله: { ثَانِيَ عِطْفِهِ } يخرج على التمثيل والكناية عن الإعراض عن الحق. وجائز أن يكون على حقيقة عطف العنق والميل عنهم تكبّراً وتجبراً منه عليهم. ثمّ بين أنه لِمَ يفعل؟ فقال: { لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ }. ثم أخبر ما له في الدنيا بصنعه؟ فقال: { لَهُ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ }. قال بعضهم: الخزي: هو العذاب الذي يفضحه، وأصل الخزي: الهوان والذل، وهم لما أعرضوا عن عبادة الله ودينه بلوا بعبادة الأصنام واتباع الشيطان، فذلك الخزي لهم في الدنيا. ثم أخبر ما له في الآخرة من الجزاء؟ فقال: { وَنُذِيقُهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } وعامة أهل التأويل يصرفون الآية إلى واحد منهم وهو النضر بن الحارث، ويقولون: { لَهُ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ }؛ لأنه أسر يوم بدر، فضرب عنقه، وقتل صبرا، فذلك الخزي له. والحسن يقول: هذا الخزي لجميع الكفرة؛ لأنه لم يزل هذا صنيعهم منذ كانوا، فلهم الخزي في الدنيا: الخسف والحصب، على ما كان في الأمم الخالية. وقوله - عز وجل -: { ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ } ليس على تحقيق تقديم الأيدي، ولكن على التمثيل؛ لما بالأيدي يقدم، فذكر اليد لذلك على ما ذكرنا من انقلاب الأعقاب. وقوله - عز وجل -: { وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّٰمٍ لِّلعَبِيدِ }؛ لأنّه لا يأخذ أحداً بغير ذنب ولا يأخذه بذنب غيره.