الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ } * { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِٱلَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَٰتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكُمُ ٱلنَّارُ وَعَدَهَا ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } * { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً وَلَوِ ٱجْتَمَعُواْ لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ ٱلذُّبَابُ شَيْئاً لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ ٱلطَّالِبُ وَٱلْمَطْلُوبُ } * { مَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } * { ٱللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ ٱلْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ ٱلنَّاسِ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } * { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ }

قوله: { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً } هو ما ذكرنا أنه يسفههم بعبادتهم دون الله بلا حجة، ولا برهان، ولا علم، وتركهم عبادة الله مع الحجج، والبراهين، والعلم أنه إله، وأنه ربهم مستوجب للعبادة.

وقوله: { وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ } ينصرهم ويمنعهم من عذاب الله، ففيه دلالة إثبات رسالته؛ لأنه إنما قال ذلك للرؤساء منهم والقادة فلم يتهيأ لهم نصرة شيء، ولا رد ما قال بشيء دل أنه بالله كان ذلك، والله أعلم.

وقوله: { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ } يحتمل الآيات: الحجج والبراهين، ويحتمل: القرآن المنزل عليه.

{ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْمُنْكَرَ }: الإنكار، آثروا العناد، والردّ لآياته، والكراهية والبغض له.

{ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِٱلَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَٰتِنَا } يخبر عن سفههم وشدة تعنتهم وعتوهم عند تلاوة الآيات عليهم، وإقامة الحجج عليهم، حيث قال: { يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِٱلَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ } { يَسْطُونَ } ، قيل: يأخذون أخذا، وقيل: يبطشون بطشاً.

وقال القتبي: { يَسْطُونَ } ، أي: يتناولونهم بالمكروه من الشتم والضرب.

وقال أبو عوسجة: { يَكَادُونَ يَسْطُونَ } أي: يقعون بهم، يقال: سطا يسطو سطوة، ورجل ذو سطوة وبطشة، أي: ذو قوة وقدرة، قال: ويقال: سطوت بفلان، أي: أخذته أخذاً شديداً، أو بطشت به كذلك.

ثم قال: { قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكُمُ ٱلنَّارُ } ظاهر الآية ليس بجواب لما تقدم، ولا صلته، وليس على الابتداء، ولكن على نازلة وأمر كان منهم، لم يذكر لنا ذلك.

فأمّا ابن عباس وغيره من أهل التأويل قالوا: إنما أنزلت جوابا لما قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأصحابه، حيث قالوا: ما نعلم قوما أشقى منكم حيث رأوهم قد حظر الدنيا عليهم، لم يعطوا من الدنيا شيئاً، فنزل جواباً لهم: { قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكُمُ ٱلنَّارُ... } الآية.

وقال بعضهم: هو جواب قوله: { كَادُونَ يَسْطُونَ بِٱلَّذِينَ يَتْلُونَ } { قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكُمُ ٱلنَّارُ }؛ كقوله:قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ ٱللَّهِ مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ... } الآية [المائدة: 60].

وقوله: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ } قد ذكر معنى ضرب الأمثال والحاجة إليها، وذلك أن العقول يجوز أن يعترض ما يستر عليها سبيل الحق وإلا لم يجز ألا تدرك العقول لما جعلت العقول له من درك الحق، لكن يمنع عن درك الحق وسبيله ما ذكرنا من اعتراض السواتر والحجب فيستكشف ذلك بما ذكرنا من الأمثال، ثم في هذا المثل وجهان:

أحدهما: يخبر عن تسفيه أحلامهم في عبادتهم من لا يقدر على خلق أضعف خلق، وهو ما ذكر: { لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً وَلَوِ ٱجْتَمَعُواْ لَهُ } وتركهم عبادة من هو خالقهم وخالق جميع الخلائق.

والثاني: يخبر عن قطع ما يأملون ويطمعون من عبادتهم الأصنام، حيث قال: { وَإِن يَسْلُبْهُمُ ٱلذُّبَابُ شَيْئاً لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ } ويتركون عبادة من يؤمل منه ويطمع كل خير، والله أعلم.

السابقالتالي
2 3