الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَتُصْبِحُ ٱلأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ } * { لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ } * { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلأَرْضِ وَٱلْفُلْكَ تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ ٱلسَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى ٱلأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ } * { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ ٱلإِنْسَانَ لَكَفُورٌ }

قوله: { أَلَمْ تَرَ } اختلف فيه:

قال بعضهم: { أَلَمْ تَرَ } إنما هو حرف تعجيب، يعجب رسول الله جميع ما يفعل من أفعاله.

وقال بعضهم: { أَلَمْ تَرَ } هو حرف إيضاح الحجج وإنارة براهينه، كقوله:أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ ٱلظِّلَّ } [الفرقان: 45] ونحوه.

وأصله: أن ظاهره وإن كان استفهاما فهو في الحقيقة تحقيق وإيجاب { أَلَمْ تَرَ } أي: قد رأيت، وقد أخبرت، وهكذا جميع ما خرج الظاهر في الكتاب مخرج الاستفهام فهو في الحقيقة إيجاب وإلزام.

ثم في قوله: { أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَتُصْبِحُ ٱلأَرْضُ مُخْضَرَّةً } - وجهان من الاستدلال على منكري البعث:

أحدهما: يخبر عن قدرته وسلطانه: أن من قدر على إنزال الماء من السماء، وشق الأرض، وإخراج النبات منها مع لينه وضعفه وصلابة الأرض وشدّتها - قادر على إحياء الخلق بعد الموت، ولا يحتمل أن يعجزه شيء.

والثاني: حيث قدر على إحياء الأرض بعد مواتها ويبسها، لقادر على البعث والإحياء، وقد عرفوا أن إعادة الشيء أهون من ابتدائه، أو يقدر على الإعادة من لا يملك على الابتداء إذا عرف الابتداء.

وقوله: { إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ } قال الحسن: اللطيف في الشاهد إنما يقال على وجوه ثلاثة: أحدها: أنه يقال للشيء: لطيف؛ لرقته، وذلك عن الله منفي.

والثاني: يقال: لطيف؛ لما يتأتى له الأشياء ولا يصعب عليه.

والثالث: اللطيف: هو الرّحيم الرءوف. وهذان الوجهان يضافان إلى الله، والأوّل لا يجوز إضافته إليه.

{ خَبِيرٌ }: عليم.

وقوله: { لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ } يخبر أن له ما في السماوات وما في الأرض، وأنهم عبيده وإماؤه، وأنّه لم يخلقهم لحاجة نفسه، ولكن إنما خلقهم لحاجة أنفسهم، حيث أخبر أنّه الغني بذاته.

والثاني: يخبر أنه لم يأمرهم، ولم ينههم، ولا امتحنهم لمنافع تكون له، ولكن لمنافع الممتحنين { ٱلْحَمِيدُ } هو المحمود في فعاله، أو { ٱلْحَمِيدُ }: الحامد.

وقوله: { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلأَرْضِ وَٱلْفُلْكَ تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ بِأَمْرِهِ } يذكرهم نعمه ليتأدى به شكره؛ لأنه أخبر أنه سخر لهم ما في الأرض من أنواع المنافع؛ ليعلموا أنه لم يخلقهم عبثاً ليتركهم سدى؛ لأن من كان خلقه لما ذكر لم يكن خلقه - ليكون خلقاً - متروكا سدى، ويخبر أنه أعطى لهم الأسباب التي بها يصلون إلى منافع الأرض مع شدتها وصلابتها، والأسباب التي بها يصلون إلى منافع البحر، وهي الفلك التي خلقها لهم؛ ليصلوا بها إلى منافع البحر، حيث خلق الخشب قارّاً على وجه الماء غير متسرب، وغيره من الأشياء من طبعها التسفل والتسرّب في الماء من الحديد، والحجر، ونحوهما من الأشياء؛ ليعرفوا فضله ورحمته أن كيف ثبت وقر هذا على وجه الماء، ولم يثبت الحديد والحجر ونحوه، ثم ثبت الحديد على وجه الماء مع الخشب؛ إذ السفن لا تخلو عن الحديد، وبه تقوم السفن، ثم لم يتسرب، والله أعلم.

السابقالتالي
2