الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ ذٰلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ } * { ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ يُولِجُ ٱللَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱللَّيْلِ وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } * { ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ ٱلْبَاطِلُ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْكَبِيرُ }

قوله: { ذٰلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ } قد ذكرنا فيما تقدم أنه جائز في اللغة ذكر حرف (ذلك) وحرف (هذا) على الابتداء وإن كان مما يخبر به عن غائب، نحو قوله:هَـٰذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ } [ص: 49] وقوله:هَـٰذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ } [ص: 55] يستقيم ذكره بدون ذكر { هَـٰذَا } وهو أن يقول: وإن للمتقين كذا، وإنّ للطاغين كذا، فعلى ذلك هذا.

أو أن يكون ذكر ذلك صلة ما سبق من ذكر الأنباء والأخبار، يقول: ذلك الذي ذكرت لك وأنبأتك: { وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ }.

ثم اختلف في سبب نزول هذه الآية:

قال بعضهم: هي في القصاص: أن من قتل ولي آخر فاقتص منه، ثم أن المقتص منه بغى على ولي المقتول فقتله، لينصرنّه على من بغى عليه، وهو ما ذكر في آية أخرى، وهو قوله:فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَٱتِّبَاعٌ بِٱلْمَعْرُوفِ وَأَدَآءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ } [البقرة: 178]، ثم قال:فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ فَلَهُ... } [البقرة: 178] كذا، لكن ذكر هاهنا الاعتداء بعد ما أخذ المال وعفا، وفي الأوّل ذكر البغي بعد القصاص، وهو واحد في معناه.

وقال بعضهم: نزل في المؤمنين والمشركين، وذلك أن المشركين عاقبوا المؤمنين بعقوبات واعتدوا عليهم، ثم إن المسلمين ظفروا بهم، فعاقبوهم جزاء عقبوتهم، ثم إن المشركين بغوا على المؤمنين، فوعد الله لهم النصر عليهم بعد البغي.

وقال بعضهم قريباً من هذا، وهو أن المشركين كانوا يؤذون أصحاب رسول الله ومن آمن منهم، ويعاقبونهم في أشهر الحج، ولم يكن للمؤمنين إذن بقتالهم في ذلك الوقت، فقاتلوهم مكافأة لهم، فأخبر الله - عز وجل - ووعد لهم النّصر إذا بغى أولئك عليهم من بعد؛ فعلى هذا التأويل يكون وعد النصر لهم إذا بغى أولئك عليهم من بعد، وعلى التأويل الأوّل يكون لهم الوعد بالنصر بعد ما بغى أولئك على هؤلاء، والله أعلم بذلك.

وقوله: { إِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ } للمؤمنين بقتالهم أولئك في أشهر الحج، حيث كان لم يأذن لهم بالقتال.

أو { إِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ } إذا تابوا ورجعوا عمّا فعلوا، والله أعلم.

وقوله: { ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ يُولِجُ ٱللَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱللَّيْلِ } قد ذكرنا أن حرف { ذٰلِكَ } يستقيم ذكره على الابتداء والائتناف على غير صلة.

وجائز أن يكون صلة قوله: { لَيَنصُرَنَّهُ ٱللَّهُ } ، أي: ذلك النصر لمن ذكر؛ لأن من قدر على إيلاج الليل في النهار وإيلاج النهار في الليل - قادر على ما وعد من النصر لهم.

وقوله: { وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } [ { سَمِيعٌ } ] لأقوالهم، { بَصِيرٌ } بحوائجهم، والسّميع، يقال: هو المجيب، أي: مجيب لدعائهم، { بَصِيرٌ } بما يكون من الأعداء.

السابقالتالي
2