الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ } * { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } * { ٱلَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا ٱسمُ ٱللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } * { ٱلَّذِينَ إِنْ مَّكَّنَّاهُمْ فِي ٱلأَرْضِ أَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتَوُاْ ٱلزَّكَـاةَ وَأَمَرُواْ بِٱلْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ ٱلأُمُورِ }

قوله: { إِنَّ ٱللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } وفي بعض القراءات: (إن الله يدفع عن الذين آمنوا) بغير ألف، وتأويل [(يَدْفَعُ } ، أي:] يدفع عن الذين آمنوا جميع شرور الكفرة وأذاهم، وتأويل { يُدَافِعُ } ، أي: يدافع الكفار عنهم بنصر المؤمنين عليهم، وكأن قوله: { يُدَافِعُ عَنِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } إنما نزل بمكة، وعد للذين آمنوا هنالك النصر والدفع عنهم في حال قلتهم وضعفهم وكثرة أولئك الكفرة وقوتهم، وهنالك كانوا كذلك - أعني: بمكة - قليلا ضعفاء، ويكون نزول قوله: { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ } بالمدينة؛ لأنه هنالك كان أهل الخيانة؛ لأنهم كانوا أهل كتاب اؤتمنوا على رسالة محمد وأشياء فخانوها وكتموها، ولم يكن يومئذ أحد بمكة منهم، إنما كانوا جميعاً أهل شرك، فيشبه أن يكون ما ذكرنا.

أو يكون قوله: { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ } بإزاء ما قالت اليهود:نَحْنُ أَبْنَٰؤُاْ ٱللَّهِ وَأَحِبَّٰؤُهُ } [المائدة: 18] فأخبر أنه لا يحبّ كل خوان كفور على ما يقولون، بل يبغضهم، وفيه دلالة إثبات رسالة محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أخبر أنه ينصرهم ويدفع عنهم أذاهم وشرهم وأنهم خونة، فكان على ما أخبر؛ فدل أنه عرف بالله ذلك.

وقوله - عز وجل -: { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ } قال بعضهم أهل التأويل: إن المشركين كانوا لا يزالون يؤذون أصحاب رسول الله ويقاتلونهم وهم لم يؤمروا بقتالهم بعد، فلما هاجروا إلى المدينة أمروا بقتالهم بقوله: { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ } قال بعضهم: إنه لم يكن لهم الأمر بقتالهم، ولا الإذن حتى أمروا بذلك، وأُذنوا، فقال أولئك: لم تؤمروا بقتالنا، فكيف تقاتلوننا؟ فأخبر: أنهم أذنوا وأمروا بالقتال معهم، والله أعلم بذلك.

وظاهره: أنه كان هنالك منع عن القتال حتى أذنوا وأمروا، ولكن لا ندري لأية جهة كان ذلك، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } ظاهر على ما أخبر.

وقوله - عز وجل -: { ٱلَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ } قال بعض أهل التأويل: أخرج الكفار أصحاب رسول الله من مكة بغير حق بأن قالوا: ربنا [الله]، وأمنوا به ووحدوه؛ لهذا أخرجوهم.

وقال بعضهم: على التقديم والتأخير، يقول: كأنه قال: أذن للذين ظلموا وأخرجوا من ديارهم بغير حق أن يقاتلوهم إلا أن يقولوا: ربّنا الله، فإذا قالوا ذلك يرفع عنهم القتال؛ لأن أهل مكة كانوا لا يقرون بالله ولا يؤمنون به، فإذا قالوا ذلك وأقروا أنه ربّهم رفع عنهم القتال، وأما من يقر به ويصدّقه لكنّه ينكر رسالة محمد ونبوته، فما لم يقر بها ولا يصدّق بها فإن القتال لا يرفع عنهم، ومن يقر به ويصدّقه بأنه رسوله إلا أنه ينكر الشرائع فإنه يقاتل حتى يقر بها ويصدّق بها، فإذا أقرّ بها رفع عنهم القتال، وذلك كله روي في الخبر أنه قال صلى الله عليه وسلم:

السابقالتالي
2 3 4