الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ ٱلَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَآءً ٱلْعَاكِفُ فِيهِ وَٱلْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } * { وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ ٱلْبَيْتِ أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّآئِفِينَ وَٱلْقَآئِمِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ } * { وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ } * { لِّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ فِيۤ أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْبَآئِسَ ٱلْفَقِيرَ } * { ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُواْ بِٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ }

قوله - عز وجل -: { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } قوله: { كَفَرُواْ } هو خبر ماض، وقوله: { وَيَصُدُّونَ } خبر مستقبل، فنسق المستقبل على الماضي.

قال الزجاج: إن الكافرين والصادين عن سبيل الله { وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ }.

وعندنا تأويله: أنّ الذين كفروا قبل أن يبعث محمدّ ويصدون الناس عن سبيل الله إذا بعث محمد.

ثم يحتمل قوله: { وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } أي: كانوا يمنعون المسلمين عن دخول المسجد الحرام للإسلام والسؤال عنه، والثاني: إخراجهم منه، كقوله:وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ ٱللَّهِ } [البقرة: 217].

وقوله: { ٱلَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَآءً ٱلْعَاكِفُ فِيهِ وَٱلْبَادِ } ظاهر هذا أن يكون الذي جعل فيه العاكف والبادي سواء هو المسجد الحرام؛ لأنه قال: { جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَآءً } ، لكن أهل التأويل صرفوا ذلك إلى مكة، وقالوا: { سَوَآءً ٱلْعَاكِفُ فِيهِ وَٱلْبَادِ } في النزول في المنازل، وظاهره ما ذكرنا.

ثم يحتمل أن يكون المسجد الحرام مخصوصاً بهذا ليس كسائر المساجد التي لها أهل: أن أهلها أحق بها من غيرهم، وأمّا المسجد الحرام فإن الناس شَرَعٌ، سواء العاكف فيه والبادي.

ويحتمل أنه [خص] المسجد الحرام بأن الناس [سواء] فيه؛ ليعلموا أن الحكم في سائر المساجد كذلك: أن الناس فيها سواء أهلها وغير أهلها، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ } قال بعضهم: الإلحاد فيه: هو الشرك والكفر.

وقال [بعضهم]: الإلحاد: هو كل المعاصي، وأصل الإلحاد: هو العدول والميل عن الطريق. وتأويله: ومن يلحد فيه إلحاد ظلم نذقه كذا.

قال بعضهم: من هَمَّ فيه بإلحاد بظلم نذقه كذا.

ثم يحتمل تخصيص ذلك المكان بما ذكر وجوهاً:

أحدها: ليعلموا أن كثرة الخيرات وتضاعفها مما لا يعمل في إسقاط المساوئ فيه وهدمها؛ لما روي: " أن صلاة واحدة بمكة تعدل كذا وكذا صلاة في غيرها من الأماكن " ، وكذلك حسنة فيها.

والثاني: خصت بالذكر فيه على التغليظ والتشديد، على ما خصّت تلك البقعة بتضاعف الحسنات.

والثالث: أن أولئك ادّعوا أنهم أولى بالله من غيرهم؛ لنزولهم ذلك المكان، فأخبر أن من يرد فيه بكذا نذقه، ليس تخصيص ذلك المكان بما ذكر، والعفو في غيره، ولكن بما ذكرنا.

وقال بعضهم: معناه: من يرد فيه إلحادا بظلم، والباء زائدة، ومثله قوله:تَنبُتُ بِٱلدُّهْنِ } [المؤمنون: 20] معناه: تنبت الدهن. روي بالخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " احْتكارُ الطعام بمكةَ إلحْاد " ، وكذلك روي عن عمر وابن عمر.

وجائز أن يكون ما ذكرنا من التغليظ والتشديد وتضاعف العقوبة؛ ولذلك كره قوم الجوار بمكة لما يتضاعف عليهم العقوبة إذا ارتكب فيه مأثماً وألحد فيه، وجائز ما ذكرنا.

السابقالتالي
2 3 4 5