الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ إِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ } * { مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ ٱللَّهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى ٱلسَّمَآءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ } * { وَكَذٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يُرِيدُ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلصَّابِئِينَ وَٱلنَّصَارَىٰ وَٱلْمَجُوسَ وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }

قوله - عز وجل -: { إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ إِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ }.

المعتزلة كذبت هذه الآية والآية التي تلي هذه الآية، وهو قوله: { وَأَنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يُرِيدُ }؛ لأنهم يقولون: أراد إيمان جميع الخلائق ثمّ لم يفعل ذلك، وأراد جميع الخيرات والكف عن الشرور ثم لم يقدر على وفاء ما أراد، ويقولون: لا صنع له في أفعال العباد، ولا تدبير؛ فعلى قولهم: لم يفعل الله مما أراد واحداً من ألوف، ويقولون: إن الله أراد هدى جميع الخلائق، لكنهم لم يهتدوا، وهو أخبر أنّه يهدي من يريد، وهم يقولون: يريد هدى الخلق كلهم فلم يهتدوا.

ونحن نقول: من أراد الله هداه اهتدى، وما أراد أن يفعل فعل، وهو ما أخبرفَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ } [هود: 107] أخبر أنه يفعل ما يريد، فيخرج على قولهم على أحد الوجهين: إمّا على الخلاف في الوعد، وإمّا على الكذب في القول والخبر، فنعوذ بالله من السرف في القول.

وقوله - عز وجل -: { مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ ٱللَّهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى ٱلسَّمَآءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ }.

تأويل الآية - عندنا - يخرج على وجهين:

أحدهما: من كان يظن أن لن ينصر الله محمداً - عليه أفضل الصلوات - ثم نصره، فغاظه نصره إياه فيدوم غيظه - { فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ } أي: بحبل من السماء فيخنق ويقتل نفسه؛ ليذهب غيظه الذي غاظه نصره؛ يستريح مما غاظه.

والثاني: يخرج على الوعد بالنصر والخبر: أنه ينصره، يقول: من كان يظن أن ما وعد له من النصرة، لا يفعل ذلك له، ولا ينصره، ولا ينجز ما وعد؛ { فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى ٱلسَّمَآءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ } ، أي: ليحبس ما وعد له من النصر؛ إن غاظه ما وعد؛ ليذهب غيظه الذي غاظه؛ فعلى هذا التأويل يكون السماء سماء الأصل، أي: يحبس السبب الّذي ينزل من السماء.

قال بعضهم: قوله: { مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ } أن لن يرزقه الله، ويجعله صلة قوله:وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ } [الحج: 11] لأنه يجعل الآية في أهل النفاق، يقول: من كان يظن من أهل النفاق: أن الله لا يرزقه إذا كان في ذلك الدّين الذي كان فيه ودام - فليمدد بما ذكر.

وقال مجاهد: { كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ } ، قال ذلك خيفة ألا يرزق.

وأهل التأويل صرفوا السماء إلى سقف البيت، ويقولون: القطع: الخنق.

وقال القتبي: { مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ ٱللَّهُ } أي: لن يرزقه الله وهو قول أبي عبيدة يقال: مطر ناصر، وأرض منصورة، أي: ممطورة.

السابقالتالي
2