الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱعْبُدُونِ } * { وَتَقَطَّعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ } * { فَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ } * { وَحَرَامٌ عَلَىٰ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } * { حَتَّىٰ إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ } * { وَٱقْتَرَبَ ٱلْوَعْدُ ٱلْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يٰوَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ } * { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ } * { لَوْ كَانَ هَـٰؤُلاۤءِ آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ } * { لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لاَ يَسْمَعُونَ }

قوله: { إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً }.

قال بعضهم: إن هذه ملتكم وشريعتكم ومذاهبكم ملة واحدة وشريعة واحدة، يعني: شريعة الإسلام، وملة واحدة ليست بمفترقة.

وقال بعضهم: إن هذا دينكم دين واحد، ليس كدين الأمم الخالية أدياناً مختلفة.

أو أن يكون الأمة ما يؤم إليها ويقصد؛ لأن الأمة هي الجماعة، وهي المقصودة.

وجائز أن يكون إخباراً عن هذه الأمة على دين واحد وملة واحدة، ليسوا بمختلفين ولا بمفترقين، كسائر الأمم الخالية، كقوله:وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخْتَلَفُواْ... } الآية [آل عمران: 105]، وقولهوَلاَ تَفَرَّقُواْ } [آل عمران: 103] أخبر عنهم أنهم غير متفرقين، ونهاهم عن أن يتفرقوا كما تفرق الأولون؛ ألا ترى أنه قال على إثره: { وَتَقَطَّعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ } هذا يدل على أنه إخبار عن أهل الإسلام في صدر الأمر أنهم على شيء واحد.

وقال الزجاج: { إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً } ما لزموا الحق واتبعوه، وأما إذا تركوا لزومه وتركوا اتباعه فهي ليست بأمة واحدة، والله أعلم.

وقوله: { وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱعْبُدُونِ } [و] قال في آية أخرى:وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱتَّقُونِ } [المؤمنون: 52] ليعلم أنّ العبادة والتقوى واحد في الحقيقة؛ لأن الاتقاء هو ما يجتنب من الأفعال والعبادة ما يؤتى من الأفعال والعبادة، فإذا اجتنب ما يجب اجتنابه فقد أتى بما يجب إتيانه، وإذا أتى بما يجب إتيانه فقد اجتنب ما يجب اجتنابه، وهو كقوله:إِنَّ ٱلصَّلاَةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنْكَرِ } [العنكبوت: 45] لأنه بفعله إياها مجتنب عن الفحشاء والمنكر.

وجائز أن يكون قوله: { وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱعْبُدُونِ } أي: توحدون، على ما قال أهل التأويل؛ لأنه إنما خاطب به أهل مكة.

وقوله: { وَتَقَطَّعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ } أخبر عن الأولين أنهم اختلفوا في دينهم وتفرقوا { كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ } من تفرق و [من] لم يتفرق، كقوله:وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } [البقرة: 245]وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } [المائدة: 18].

وقوله: { فَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ } فيه دلالة ألا يقبل من الأعمال الصالحات إلا بالإيمان؛ لأنه شرط في قبولها الإيمان، كقوله: { وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ } أي: لشكر سعيه، ويقبل ولا يجحد ولا يكفر، كقوله:وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَروهُ } [آل عمران: 115] بالياء والتاء (فلن تكفروه)، وأصل الكفران: الستر، والشكر: هو الإظهار؛ يخبر - عز وجل - أنه لا يستر ما عملوا من الحسنات والخيرات، بل يشكر ويظهر.

وقوله: { وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ } أي: يكتب لهم تلك الحسنات والخيرات، كقوله:وَٱكْتُبْ لَنَا فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي ٱلآخِرَةِ } [الأعراف: 156].

وقوله: (وحِرْمٌ على قرية أهلكناها) و { وَحَرَامٌ } بالألف أيضاً، ثم قوله: (وحِرْمٌ)، { وَحَرَامٌ } - على قول أهل اللسان واللغة - واحد، يقال: حرم عليك كذا، وحرام، كما يقال: حِلٌّ وحَلاَلٌ.

وأما على قول أهل التأويل فإنهم يفرقون بينهما، فيقولون: حرم: حتم وواجب { وَحَرَامٌ عَلَىٰ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } أي: حتم وواجب على قرية إهلاكهم بعد ما علم { أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } أي: لا يتوبون؛ لأنه إنما يهلكهم لما علم منهم أنهم لا يتوبون.

السابقالتالي
2 3 4