الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي ٱلظُّلُمَاتِ أَن لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ } * { فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ ٱلْغَمِّ وَكَذٰلِكَ نُنجِـي ٱلْمُؤْمِنِينَ }

قوله - عز وجل -: { وَذَا ٱلنُّونِ }:

قال بعضهم: " ذا النون " هو اسم من أسمائه سُمِّيَ.

وقال بعضهم: سماه ذا النون؛ لكونه في بطن النون وهو الحوت، أي: صاحب النون، سمي باسمين مختلفين:

أحدهما: اسم موضوع، والآخر: مشتق من فعله وما كان، وهو ما سمى عيسى مرة، وسماه مسيحاً أخرى، أحدهما: اسم موضوع، والآخر: مشتق من فعله، وهو مما كان يمسح به المرضى والموتى فيبرءون.

وكذلك " ذا الكفل " يخرج على هذين الاسمين: أحدهما موضوع له، والآخر: مشتق من فعله على ما ذكرنا. والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً } اختلف فيه:

قال بعضهم: { مُغَاضِباً } لربه، أي: حزيناً له؛ لأنه كان أراد أن يهلك الله قومه لما أيس من إيمان قومه، وقد كثر عنادهم ومكابرتهم، فخرج حزيناً لذلك.

وقال بعضهم: مغاضباً للملك، وذلك أو قومه قد أسرهم عدوّهم، وقد كان الله أوحى إليهم فقال: إذا أسركم عدوّكم أو أصابتكم مصيبة فادعوني، فإذا دعوتموني أستجب لكم، فلما أسروا نسوا أن يدعوه زماناً حتى إذا ذهبت أيام عقوبتهم ونزلت أيام عافيتهم أوحى الله تعالى إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل أن ابعثوا رجلا قوياً أميناً فإني ملقٍ في قلوب الذين أسروا قومهم أن يرسلوهم، وفي القصّة طول، غير أنا نختصر، فبعث ملكهم يونس إلى أولئك الأسارى ليستنقذهم من أيديهم، فخرج وائتمر بأمره، لكنه غضب عليه لما اشتد عليه، فذلك قوله: { ذَّهَبَ مُغَاضِباً } للملك، حيث أمره بالخروج إلى أولئك الأسرى.

وقال بعضهم: ذهب مغاضباً لقومه، وذلك يخرج على وجوه:

أحدها: خرج من عندهم لما أيس من إيمان قومه خرج مكيدة لقومه؛ لأن السنة فيهم أنه إذا خرج رسوله من بين أظهرهم نزل بهم العذاب، فخرج من عندهم ليخافوا العذاب فيؤمنوا.

والثاني: خرج إشفاقاً على نفسه؛ لئلا يقتل؛ لما أن قومه هموا بقتله، فخرج لئلا يقتل إشفاقاً على نفسه، كما خرج رسول الله من بين أظهر قومه لما هموا بقتله، لكن رسول الله خرج بإذن، ويونس بغير إذن.

والثالث: خرج من عندهم لما أكثروا العناد والمكابرة وأيس من إيمانهم خرج ليفرغ لعبادته؛ إذ كان مأموراً بعبادة ربه ودعاء قومه إلى ذلك، فلما أيس من إيمانهم خرج كما ذكرنا بغير إذن من ربّه، وإن كان في خروجه منفعة له ولقومه، فعوتب لذلك، ولله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ } قال بعضهم: { فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ } أي: لن نضيق عليه، ولا نبتليه بالضيق الشديد لما خرج من عندهم، فيقال: فلان مقدر عليه، ومقتر، ومضيق عليه الأمر، وهو كقوله:

السابقالتالي
2