قوله: { وَنُوحاً إِذْ نَادَىٰ مِن قَبْلُ }. قال بعضهم: من قبل إبراهيم وإسحاق ويعقوب؛ لأنه ذكر هؤلاء على أثره، ثم اختلف في ندائه: قال بعضهم: نداؤه هو قوله:{ فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَٱنتَصِرْ } [القمر: 10]. وقال بعضهم: نداؤه هو قوله:{ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَآئِيۤ إِلاَّ فِرَاراً } [نوح: 5-6]. أو أن يكون ذلك قوله:{ رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى ٱلأَرْضِ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ دَيَّاراً } [نوح: 26]، وقوله:{ رَّبِّ ٱغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً... } الآية [نوح: 28] وأمثاله. وقوله - عز وجل -: { فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ }. أهله: أتباعه من أهله ومن غيرهم. وقوله: { مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ } قال عامة أهل التأويل: { مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ } هو الغرق والهول الشديد الذي كان به. وجائز أن يكون { ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ }: هو ما قاسى من قومه ولقي منهم بدعائه إياهم إلى دين الله في تسعمائة وخمسين عاماً، وما كانوا يسخرون به ويؤذونه من أنواع الأذى؛ كقوله:{ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ } [هود: 38]، ونحو ذلك من الأذى الذي قاساه منهم، فأنجاه من ذلك الكرب، والله أعلم. وقوله - عز وجل -: { وَنَصَرْنَاهُ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا }. وفي حرف أبي بن كعب: (ونصرناه على القوم الذين كذبوا بآياتنا)، والنصر: هو اسم لأمرين: اسم للمنع، واسم للظفر، فمن قرأه: { وَنَصَرْنَاهُ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا } ، أي: منعناه من أن يقتله قومه ويهلكوه، والنصر: المنع؛ كقوله:{ فَلاَ نَاصِرَ لَهُمْ } [محمد: 13] أي: لا مانع لهم. ومن قرأه: (على القوم الذين كذبوا بآياتنا) أي: أظفرناه على قومه؛ كقوله:{ وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } [آل عمران: 126]، وقد كان له الأمران جميعاً: المنع، والظفر. وقوله: { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ } ما ذكرنا من أفعالهم وأعمالهم. وقوله: { فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ } حتى لم ينج منهم أحد. قال أبو عوسجة: الكرب: واحد، وجمعه كروب، وهو الهموم والشدائد، والكربة واحدة، والكُرَب جمع، وهو مثل الكروب، قال: والأكراب تكون للدلاء، وهي جماعة الكرب، وهو حبل يشد في عراقي الدلو، وعراقي الدلو: خشبات الدلو، الواحدة: عرقوة، قال: والكراب: الحراث.