الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُوۤاْ أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَـٰذَا بِآلِهَتِنَا يٰإِبْرَاهِيمُ } * { قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَـٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ } * { فَرَجَعُوۤاْ إِلَىٰ أَنفُسِهِمْ فَقَالُوۤاْ إِنَّكُمْ أَنتُمُ ٱلظَّالِمُونَ } * { ثُمَّ نُكِسُواْ عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَـٰؤُلاۤءِ يَنطِقُونَ } * { قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكُمْ شَيْئاً وَلاَ يَضُرُّكُمْ } * { أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } * { قَالُواْ حَرِّقُوهُ وَٱنصُرُوۤاْ آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ } * { قُلْنَا يٰنَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَٰماً عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ } * { وَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ ٱلأَخْسَرِينَ } * { وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ } * { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلاًّ جَعَلْنَا صَالِحِينَ } * { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِمْ فِعْلَ ٱلْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ ٱلصَّلاَة وَإِيتَآءَ ٱلزَّكَـاةِ وَكَانُواْ لَنَا عَابِدِينَ } * { وَلُوطاً آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ ٱلْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ } * { وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَآ إِنَّهُ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ }

قوله - عز وجل -: { قَالُوۤاْ أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَـٰذَا بِآلِهَتِنَا يٰإِبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَـٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ }.

اختلف في هذا:

قال بعضهم: هذا القول من إبراهيم كذب في الظاهر فيما أراد أن يكيد لهم، وإن لم يكن في الحقيقة عنده كذباً؛ وكذلك ما قال:إِنِّي سَقِيمٌ } [الصافات: 89]، وكان صحيحاً، وقوله:هَـٰذَا رَبِّي } [الأنعام: 77] ومثل هذا قالوا: هذا في الظاهر كذب، وإن لم يرد هو به في الحقيقة كذبا.

وقال بعضهم: إنه إنما قال ذلك على أن يريهم من نفسه الموافقة لهم في الظاهر؛ ليكونوا للحجج أسمع وللبراهين أقبل، فيكون تأويله - والله أعلم -: لعل كبيرهم فعل بهم هذا.

أو أن يقول: أكبر فعل هذا بهم وكذلك قالوا في قوله:هَـٰذَا رَبِّي } [الأنعام: 77].

قال بعضهم: ليس هذا ولا فيه كذب في الظاهر، ولكن قال ذلك على الشرط حيث قال: { بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَـٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ } أي: بل فعله كبيرهم إن كانوا ينطقون، علق فعله بشرط النطق، فإذا كانوا لا ينطقون لم يجيء منه.

وقوله:إِنِّي سَقِيمٌ } [الصافات: 89]، أي: سأسقم وكل حي يسقم يوماً، وقوله: { هَـٰذَا رَبِّي } ، أي: ليس هذا ربي ومثل هذا قد قالوا، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { فَرَجَعُوۤاْ إِلَىٰ أَنفُسِهِمْ }.

أي: رجعوا إلى أنفسهم باللائمة، فقالوا فيما بينهم: { إِنَّكُمْ أَنتُمُ ٱلظَّالِمُونَ } هذا يحتمل وجوهاً:

إنكم أنتم الظالمون حيث نسبتم الفعل بهذه الأصنام والكسر إلى إبراهيم وقلتم: إنه فعل ذلك بهم، وإنما فعل بهم هذا كبيرهم؛ لما وقع عندهم أن كبيرهم هو الذي فعل بهم.

والثاني: إنكم أنتم الظالمون حيث اتخذتم مع كبيرهم آخرين شركاء في العبادة حتى غضب عليهم فكسرهم.

أو أن يكون قوله: { إِنَّكُمْ أَنتُمُ ٱلظَّالِمُونَ } يعنون الأصنام المكسورة: يا هؤلاء { إِنَّكُمْ أَنتُمُ ٱلظَّالِمُونَ }؛ حيث حملتم الكبير على تكسيركم، والله أعلم بما أرادوا بذلك، ولا يجوز لنا أن نزيد أو ننقص في هذه الأنباء المذكورة في الكتاب، أو نقطع على جهة دون جهة؛ لأنها ذكرت ليحتج عليهم بما في كتبهم، فلو زيد أو نقص [أو] قطع على جهة دون جهة يذهب الاحتجاج بها عليهم، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { ثُمَّ نُكِسُواْ عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَـٰؤُلاۤءِ يَنطِقُونَ }.

قوله: { نُكِسُواْ عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ } للتفكر والنظر في قول إبراهيم حيث قال: { بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَـٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ } ، إنما علق فعل الكبير بهم إن نطقوا، فقالوا: لقد علمت يا إبراهيم ما هؤلاء ينطقون، فكيف قلت: { بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَـٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ } ، فإذا كانوا لا ينطقون لم يفعل كبيرهم، ثم قال: { أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكُمْ شَيْئاً وَلاَ يَضُرُّكُمْ } فإن قيل: إن إبراهيم لم يحتج عليهم أن كيف تعبدون من دون الله ما لا ينطق؟ ولكن قال: { أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكُمْ شَيْئاً وَلاَ يَضُرُّكُمْ }.

السابقالتالي
2 3 4