الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ وَهَارُونَ ٱلْفُرْقَانَ وَضِيَآءً وَذِكْراً لَّلْمُتَّقِينَ } * { ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَيْبِ وَهُمْ مِّنَ ٱلسَّاعَةِ مُشْفِقُونَ } * { وَهَـٰذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ }

قوله - عز وجل -: { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ وَهَارُونَ ٱلْفُرْقَانَ }.

فهو ما يفرق بين الحق والباطل، وبين المشتبه والواضح، وبين ما يؤتى ويتقى، وبين ما عليهم ولهم، والنور: ما يتجلى به حقائق الأشياء، والضياء هو ما يظهر به حسن ما يتجلى واستنار، وروح: هو ما به حياة كل شيء، القرآن سماه: روحاً؛ لأنه به حياة الدين، وسمى الماء: حياة؛ لأن به حياة الأبدان، والمبارك هو ما ينال به ويصل إليه من كل خير، والذكر: هو ما يذكر ما لهم وعليهم.

{ وَذِكْراً }. قيل: هو الموعظة، والموعظة: قيل: هي التي تلين القلوب وتوسع الصدور وتفسح ويخشع بها الفؤاد، وعلى هذا الوصف جميع كتب الله الذي وصف هذا القرآن بها، ثم بين أنها على الوصف الذي ذكر لِمَنْ، فقال: { لَّلْمُتَّقِينَ } وإن كانت هي في أنفسها على الوصف الذي ذكر، فإنها تتجلى بها الشبه من الحقائق والحق من الباطل لمن قبلها وأقبل نحوها ونظر إليها بعين التعظيم والإجلال، فأمّا من أعرض عنها فليست لهم على ما ذكر، لكن على ما أخبر بقوله:فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَىٰ رِجْسِهِمْ } [التوبة: 125].

ثم بين من المتقون؟ فقال: { ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَيْبِ } يحتمل قوله: { يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ } ، أي: يخشون العذاب الموعود في الغيب وهو عذاب الآخرة ونقمتها، إن المؤمنين خافوا العذاب الموعود في الآخرة، فيحذرون ما به يحل ذلك، وأما الكفار فإنهم لم يخافوا العذاب الموعود في الآخرة ولم يصدقوه إنما يخافون العذاب المعاين المشاهد، فأما العذاب الموعود في الغيب فلا يخافونه.

ويحتمل أيضاً قوله: { يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ } ، أي: يهابون ربهم ويخافونه وإن لم يروه؛ لما رأوا من آثار سلطانه وملكه.

وقوله - عز وجل -: { وَهُمْ مِّنَ ٱلسَّاعَةِ مُشْفِقُونَ } يحتمل: هم من أهوال الساعة وأفزاعها خائفون.

أو أن يكون قوله: وهم من محاسبة أعمالهم مشفقون خائفون، فحاسبوا أنفسهم في الدنيا؛ إشفاقاً على محاسبة أنفسهم في الآخرة.

وقوله - عز وجل -: { وَهَـٰذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ }.

الذكر المبارك ما ذكرنا.

وقوله - عز وجل -: { أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ } ظاهره وإن كان استفهاماً فهو في الحقيقة إيجاب؛ كأنه قال: وهذا ذكر مبارك أنزلناه وتعرفونه أنه كذلك، فأنتم مع هذا له منكرون، يذكر سفههم ويخبر عن عنادهم.