الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ مِنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُّعْرِضُونَ } * { أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِّن دُونِنَا لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلاَ هُمْ مِّنَّا يُصْحَبُونَ } * { بَلْ مَتَّعْنَا هَـٰؤُلاۤءِ وَآبَآءَهُمْ حَتَّىٰ طَالَ عَلَيْهِمُ ٱلْعُمُرُ أَفَلاَ يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي ٱلأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَآ أَفَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ } * { قُلْ إِنَّمَآ أُنذِرُكُم بِٱلْوَحْيِ وَلاَ يَسْمَعُ ٱلصُّمُّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا مَا يُنذَرُونَ } * { وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يٰويْلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } * { وَنَضَعُ ٱلْمَوَازِينَ ٱلْقِسْطَ لِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ }

قوله - عز وجل -: { قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ مِنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ }.

أي: من يحفظكم ويحرسكم من عذاب الرحمن.

وقيل: من يدفع عنكم عذاب الرحمن.

ثم هذا يخرج على وجهين:

أحدهما: قوله: { قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ مِنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ } أي: لو سألتم من يكلؤكم من عذاب الرحمن لأقروا لك أن الرحمن هو الذي يكلؤكم ويحفظهم من عذابه، لا الآلهة التي يعبدونها، وهو كقوله:قُلْ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } [الرعد: 16] وقلمَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ } [المؤمنون: 88] ونحوه، فسيقولون: الله، لا الآلهة التي يعبدونها، فقل: أن كيف صرفتم عن عبادته وعبدتم دونه من لا يكلؤكم ولا يدفع عنكم العذاب، وقد عرفتم أن الرحمن هو الذي يكلؤكم بالليل والنهار، وهو إله السماوات والأرض، فكيف عبدتم من ليس هو بإله؟! فيخرج عن الاحتجاج عليهم ولزوم الحجة لهم؛ لئلا يقولوا:إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَافِلِينَ } [الأعراف: 172].

والثاني: يخرج على التذكير والتنبيه لهم؛ لأنهم كانوا ينكرون الرحمن ويقولون: ما الرحمن؟ وقوله:وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِٱلرَّحْمَـٰنِ } [الرعد: 30] فيخرج قوله: { مَن يَكْلَؤُكُم بِٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ } أي: كيف تنكرون الرحمن وتكفرون به وهو يكلؤكم بالليل والنهار عن عذابه، وعلى هذا يخرج: { بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُّعْرِضُونَ } ، أي: بل هم عن ذكر ربهم الرحمن معرضون، أي: منكرون له، والله أعلم.

وقوله: { أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِّن دُونِنَا } ، أي: ليس لهم آلهة من دوننا تمنعهم من عذابنا، هو على النفي، أي: ليس لهم الآلهة من دونه وإن كان ظاهره استفهاماً، ثم بين موضع الاحتجاج عليهم، وهو ما أخبر عن عجزهم حيث قال: { لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلاَ هُمْ مِّنَّا يُصْحَبُونَ } أي: لا يستطيع الآلهة نصر أنفسها إذا أرادوا بها سوءاً، { وَلاَ هُمْ مِّنَّا يُصْحَبُونَ } أي: ينصرون، تأويله: أن كيف عبدتم من دونه واتخذتموهم آلهة رجاء شفاعتهم ووسيلتهم حيث قالوا:مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } [الزمر: 3] ونحوه، وفي قولهم:هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ } [يونس: 18]، فإذا كانوا لا يملكون نصر أنفسهم إن أصابها سوء ولا يصحبها من يدفع عنها السوء، فكيف اتخذتم آلهة دونه، فمن كان عن دفع السوء عن نفسه ونصرها عاجزاً، فهو عن دفعه عن الآخر ونصره أعجز.

ثم بين الذي حملهم على ذلك وهو ما قال: { بَلْ مَتَّعْنَا هَـٰؤُلاۤءِ وَآبَآءَهُمْ حَتَّىٰ طَالَ عَلَيْهِمُ ٱلْعُمُرُ } ، ولم يأخذهم بالعقوبة بأعمالهم التي عملوها [فظنوا] أن الله راض عنهم وأنهم على الحق؛ ولهذا قالوا:لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا } [الأنعام: 148] ادعوا رضاء الله بما هم عليه وآباؤهم.

ثم بين أنه وإن تركهم وقتاً طويلا ومتعهم عليه أنه قد نقص عما كانوا يملكون هم؛ حيث غلب عليهم رسول الله على بعض أملاكهم وجعله ملكاً للمسلمين وهو قوله: { أَفَلاَ يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي ٱلأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَآ } ، وجعلناها ملكا للمسلمين.

السابقالتالي
2 3