قوله - عز وجل -: { وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ ٱلْخُلْدَ أَفَإِنْ مِّتَّ فَهُمُ ٱلْخَالِدُونَ }. كأنه خرج جواباً لقول أولئك الكفرة في رسول الله صلوات الله عليه، والأشبه أن يكون ما أصابهم من الشدائد والفتن والهلاك كانوا يتشاءمون برسول الله صلى الله عليه وسلم ويتطيرون به أن ذلك إنما يصيبهم به، وقالوا: لولا هو ما يصيبنا من ذلك شيء، فقال جواباً لهم: { وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ ٱلْخُلْدَ } بل حكمه أن يموت الكل على ما أخبر: { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ } فإذا لم يكن لأحد من قبلك الخلد بل كلهم قد ماتوا كيف يتشاءمون بك أن ذلك إنما يصيبهم بسببك وشؤمك؟! { أَفَإِنْ مِّتَّ فَهُمُ ٱلْخَالِدُونَ } ، أي: وإن مت أنت وتخرج من بينهم لا يخلدون هم فيها؛ لأن من حكمه أن كل نفس ذائقة الموت. { وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } قد ذكرنا تأويله فيما تقدم في غير موضع. وقوله - عز وجل -: { وَإِذَا رَآكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهَـٰذَا ٱلَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ }. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر آلهتهم بسوء ويعيبها، يهزءون به مكان ما يعيب هو آلهتهم ويقولون: { أَهَـٰذَا ٱلَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ }. ثم يحتمل أن يكون من القادة منهم والرؤساء؛ إغراء لأتباعهم عليه أنه يذكر آلهتكم بسوء. أو أن يقول بعضهم لبعض إذا خلوا عنه؛ كقوله:{ وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ قَالُوۤاْ أَتُحَدِّثُونَهُم... } الآية [البقرة: 76]. وقوله - عز وجل -: { وَهُمْ بِذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ هُمْ كَافِرُونَ }. قال بعضهم: كانوا يقولون: لا نعرف ما الرحمن؟ فيكفرون باسم الرحمن. ويحتمل أن يكون قوله: { بِذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ } بنعمة الرحمن وهو محمد صلى الله عليه وسلم، أي: يكفرون بنعمته. أو أن يذكر هذا، ليصبر رسوله ويعزيه على تكذيبهم، ليس أياديك بأكثر من أيادي الرحمن، فهم يكفرون به ويكذبونه ويقولون فيه ما يقولون، فاصبر أنت على أذاهم وما قالوا فيك، والله أعلم. وقوله - عز وجل -: { خُلِقَ ٱلإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ } ، وقال في آية أخرى:{ وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ عَجُولاً } [الإسراء: 11] قال الحسن: عجولا، أي: ضعيفا، وضعفه هو أن يضيق صدره ويحرج عند إصابة أدنى شيء، حتى يحمله ضيق صدره على أن يدعو [على] نفسه وعلى مجيئه بالهلاك لضيق صدره وذلك لضعف فيه. وعندنا: أنه خلقه عجولا حتى لا يصبر على حالة واحدة وإن كانت الحالة حالة نعمة ورخاء حتى يمل عنها ويسأم ويريد التحول إلى حالة هي دون تلك الحالة ويرضى بشيء دون، لكنه وإن خلقه على ما أخبر جعل في وسعه رياضة [نفسه] حتى يصير صبوراً حليماً، وهو ما أخبر{ إِنَّ ٱلإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ ٱلْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلاَّ ٱلْمُصَلِّينَ * ٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ دَآئِمُونَ }