قوله - عز وجل -: { وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً }. قصمنا: أهلكنا، وأصل القصم: الكسر، يخوف أهل مكة بتكذيبهم محمداً ما نزل بأولئك بتكذيبهم الرسل. وقوله - عز وجل -: { وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ }. وقوله - عز وجل -: { فَلَمَّآ أَحَسُّواْ بَأْسَنَآ إِذَا هُمْ مِّنْهَا يَرْكُضُونَ }. قوله: { أَحَسُّواْ } قال بعضهم: علموا بالعذاب، إذا هم يركضون، أي: يفرون ويهربون. وقال بعضهم: يعدون، وهو واحد. وقوله - عز وجل -: { لاَ تَرْكُضُواْ وَٱرْجِعُوۤاْ إِلَىٰ مَآ أُتْرِفْتُمْ فِيهِ }. أي: أنعمتم فيه: مساكنكم، مثل هذا يخرج مخرج الاستهزاء بهم. وقوله - عز وجل -: { لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ }. قال بعضهم: تعذبون. وقال بعضهم: تحاسبون. وقال بعضهم: لعلكم تسألون الإيمان كما سئلتموه قبل نزول العذاب. وقيل: لعلكم تسألون عن قتل نبيكم؛ لأنهم قتلوا نبيهم، تسألون فيم قتلتموه؟ وقال بعضهم: كان هذا في نازلة - والله أعلم - تلقتهم الملائكة وهم هاربون فارون، فقالوا لهم: { لاَ تَرْكُضُواْ وَٱرْجِعُوۤاْ إِلَىٰ مَآ أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ } استهزاء بهم. وقال بعضهم: { لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ }: تفقهون. قال أبو عوسجة:{ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ } [الأنبياء: 5، يوسف: 44]: قال: الضغث: ما لا تأويل له، ويقال: حلم وأحلام، ويقال: حلم يحلم حلما فهو حالم: إذا رأى شيئاً في النوم، واحتلم يحتلم، لا يكون مثل حلم يحلم، ويقال من الحلم: حلم حلما فهو حليم، ويقال: حلمته، أي: جعلته حليما، والافتراء: الكذب، والشاعر: إنما سمي: شاعراً؛ لأنه يشعر من الكلام ما لا يشعر به غيره، والقصم: الكسر، والمراد منه الهلاك، قصمه غيره وانقصم بنفسه، أي: انكسر، وقال: { أَحَسُّواْ } ، أي: استيقنوا بعذابنا، ويقال: أحسست، أي: وجدت، وأحسست: علمت واستيقنت، يقال: أحسست: قطعت، وتحسست، أي: تخبرت، والمحسسة الفِرْجَون. وقال: يركضون: يهربون { إِلَىٰ مَآ أُتْرِفْتُمْ فِيهِ } أي: أنعمتم ومتعتم، والإتراف: الإكرام. وقال أبو عبيدة: { يَرْكُضُونَ } يعدون، وقوله: { لاَ تَرْكُضُواْ وَٱرْجِعُوۤاْ إِلَىٰ مَآ أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ } ، ليس على الأمر، ولكن أي: لو رجعتم إلى ما أترفتم فيه، وكذلك{ قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنظُرُواْ... } [النمل: 69] كذا، ليس على الأمر، ولكن لو سرتم فانظروا كذا؛ فعلى ذلك قوله: { وَٱرْجِعُوۤاْ إِلَىٰ مَآ أُتْرِفْتُمْ فِيهِ } ، أي: لو رجعتم لعلكم تسألون [كما كنتم تسألون] من قبل، فيخرج ذلك مخرج الاستهزاء جزاء لصنيعهم، والله أعلم. وقوله - عز وجل -: { قَالُواْ يٰوَيْلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ }. يقرون يومئذ بالظلم، لكن لا ينفعهم ذلك ويندمون على سوء صنيعهم، فيطلبون العودة إلى دنياهم؛ كقوله:{ يٰلَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي } [الفجر: 24]. وقوله - عز وجل -: { فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعْوَاهُمْ }. أي: ما زالت تلك، أي قولهم: { قَالُواْ يٰوَيْلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } دعواهم، { حَتَّىٰ جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ } ، فإن كان هذا القول منهم في الدنيا فيكون قوله: { حَتَّىٰ جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ } بالقتل بالسيف والإهلاك. وإن كان ذلك في الآخرة فيكون قوله: { حَصِيداً خَامِدِينَ } في النار في الآخرة، والله أعلم. و { حَصِيداً } ، أي: هالكاً وهو محصود، و { خَامِدِينَ }: كما يقال: خمدت النار: إذا طفيت.