الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } * { قُلْ إِنَّمَآ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ } * { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ ءَاذَنتُكُمْ عَلَىٰ سَوَآءٍ وَإِنْ أَدْرِيۤ أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ } * { إِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلْجَهْرَ مِنَ ٱلْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ } * { وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ } * { قَالَ رَبِّ ٱحْكُم بِٱلْحَقِّ وَرَبُّنَا ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ }

قوله - عز وجل -: { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } جائز أن يكون كل رسل الله رحمة من الله للعالمين، وكذلك كل كتب الله رحمة للعالمين على ما ذكر في عيسى:وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِيّاً } [مريم: 21].

وجائز أن يكون لرسول الله - صلوات الله وسلامه عليه - خاصّة؛ فيكون في وجهين: أحدهما: { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } وما أرسلناك: إلا جعلناك رحمة للعالمين.

أو أن قال: وما أرسلناك إلا رحمة منا للعالمين، والعالمين: هو الجنّ والإنس؛ لأنه بعث إليهم، ثم الرحمة فيه يحتمل وجوها:

أحدها: تأخير العذاب عنهم.

والثاني: أنه رحمة، حتى إذا اتبعوه يكون به نجاتهم، وبه عزهم في الدنيا والآخرة.

والثالث: شفاعته لأهل الكبائر في الآخرة، ونحو ذلك.

وقوله - عز وجل -: { قُلْ إِنَّمَآ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } كأنه على الدعاء خرج الأمر، كأنه قال: أمرني ربي أن أخبركم: أن إلهكم إله واحد؛ فاصرفوا العبادة إليه، ولا تشركوا فيها غيره.

أو أن يقول: أوحى إليّ أن أدعوكم إلى إلهكم الذي هو إله واحد، وإلا كان رسول الله يعلم أنه إله واحد، لكنه خرج على الدعاء والإخبار أنه إله واحد.

أو أن يخبرهم أني [أدعوكم] إلى ما أدعوكم إليه وآمركم، إنما أدعوكم وآمركم بالوحي بما أوحي إليَّ، لا من تلقاء نفسي:قُلْ إِنَّمَآ أُنذِرُكُم بِٱلْوَحْيِ } [الأنبياء: 45] والله أعلم.

وقوله: { فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ } ظاهره وإن كان استفهاماً فهو على الأمر والإيجاب كأنه قال: قد أوحي إلي أن إلهكم إله واحد، فأسلموا له وأخلصوا العبادة له، لا تشركوا فيها غيره، والإسلام هو أن يجعل كلية الأشياء والأعمال كلها لله عز وجل، ثم هو يكون على وجهين:

أحدهما: على الاعتقاد أن يعتقد كلية الأشياء لله، لا على تحقيق ذلك الفعل.

والثاني: على تحقيق جعل الأشياء كلها لله اعتقادا وفعلا وقولا، منه يخاف، ومنه يرجو، لا يخاف غيره، ولا يرجو من دونه، فهو حقيقة الإسلام.

وقوله - عز وجل -: { فَإِن تَوَلَّوْاْ } هذا يدل على أن الأوّل خرج على الأمر والدعاء، حيث قال: { فَإِن تَوَلَّوْاْ } عن الإجابة إلى ما دعوتهم إليه { فَقُلْ ءَاذَنتُكُمْ عَلَىٰ سَوَآءٍ } أي: أعلمتكم على عدل وحق، كقوله:قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ } [آل عمران: 64] أي: عدل بيننا وبينكم، فعلى ذلك هذا محتمل أن يكون قوله: { عَلَىٰ سَوَآءٍ } أي: على عدل وحق.

ويحتمل أيضاً: { ءَاذَنتُكُمْ عَلَىٰ سَوَآءٍ } أي: أعلمتكم، أي: حتى أنا وأنتم في العلم على سواء، أي: على الاستواء في العداوة والمخالفة، وفي كل أمر على الاستواء، وهو كقوله:فَٱنْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَآءٍ } [الأنفال: 58] على الاستواء في العداوة، أي: انبذ إليهم حتى تكون أنت وهم على الاستواء في العلم بالمنابذة، والله أعلم.

السابقالتالي
2 3