الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ أُوْلَـٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ } * { لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا ٱشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ } * { لاَ يَحْزُنُهُمُ ٱلْفَزَعُ ٱلأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ هَـٰذَا يَوْمُكُمُ ٱلَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } * { يَوْمَ نَطْوِي ٱلسَّمَآءَ كَطَيِّ ٱلسِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَآ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ } * { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي ٱلزَّبُورِ مِن بَعْدِ ٱلذِّكْرِ أَنَّ ٱلأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ ٱلصَّالِحُونَ } * { إِنَّ فِي هَـٰذَا لَبَلاَغاً لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ }

قوله - عز وجل -: { إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ }.

قال عامة أهل التأويل: إنه لما نزل قوله:إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ } [الأنبياء: 98] قالت الكفرة: إن عيسى وعزيراً والملائكة قد عبدوا من دون الله فهم حصب جهنم، فنزل قوله: { إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ } استثنى من سبق له الحسنى منه، وهو عيسى وهؤلاء، وكذلك في حرف ابن مسعود: (إلا الذين سبقت لهم منا الحسنى) على الاستثناء.

عن علي - رضي الله عنه - قال: { إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ... } الآية: ذاك عثمان وطلحة والزبير، وأنا من شيعة عثمان وطلحة والزبير، ثم قال:وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ... } الآية [الأعراف: 43].

ولكن قد ذكرنا الوجه فيه، فإن ثبت أنه نزل بشأن هؤلاء وإلا فهو لكل من سبق له من الله الحسنى.

ثم { ٱلْحُسْنَىٰ } يحتمل الجنة، كقوله:فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ * وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ } [الليل: 5-6] أي: بالجنة، فعلى ذلك قوله: { سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ } ، ويحتمل { ٱلْحُسْنَىٰ }: السعادة والبشارة بالجنة وثوابها.

وقوله: { أُوْلَـٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ } أي: لا يعودون إليها أبداً، ليس على بعد المكان كقوله:أُوْلَـٰئِكَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ } [إبراهيم: 3] أي: لا يعودون إلى الهدى أبداً.

أو أن يكون قوله: { مُبْعَدُونَ } عنها مكاناً، لكن قد ذكر في آية:فَٱلْيَوْمَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ ٱلْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى ٱلأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ } [المطففين: 34-35] وقال في آية:فَٱطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَآءِ ٱلْجَحِيمِ } [الصافات: 55] ولا نعلم هذا أنه يجعل في قوى أهل الجنة أنهم متى ما أرادوا أن ينظروا إلى أولئك ويروهم يقدرون على ذلك؛ أو تقرب النّار إليهم فينظرون إليهم، والله أعلم، والأوّل أشبه أنهم لا يعودون إليها أبداً.

وقوله: { لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا } أي: صوتها، وهو ما ذكر من الإبعاد، وإذا بعدوا منها لم يسمعوا حسيسها.

وقوله - عز وجل -: { وَهُمْ فِي مَا ٱشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ } وهو ما قال في آية أخرى:وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ ٱلأَنْفُسُ وَتَلَذُّ ٱلأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [الزخرف: 71].

وقوله - عز وجل -: { لاَ يَحْزُنُهُمُ ٱلْفَزَعُ ٱلأَكْبَرُ } أي: لا يحزنهم أهوال يوم القيامة وأفزاعها { وَتَتَلَقَّاهُمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ } أي: تتلقاهم الملائكة بالبشارة، كقوله:إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ... } الآية [فصلت: 30].

أو { لاَ يَحْزُنُهُمُ ٱلْفَزَعُ ٱلأَكْبَرُ } ، أي: لا يحزنهم ما يحل بالكفرة من الفزع والعذاب، كمن رأى في الدنيا إنساناً في بلاء وشدة، أو يعذب بعذاب، فإنه يحزن ويهتم بما حل به، فأخبر أنّهم لا يحزنون بما حل بالكفرة من العذاب والشدائد.

قال أبو عوسجة:حَصَبُ جَهَنَّمَ } [الأنبياء: 98] قال: الحصب والحطب واحد، قال: وما أكثر من العرب من يتكلم بهذه اللفظة، قال: ولا أعرف (حضب جهنم) بالضاد.

السابقالتالي
2 3 4