الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يٰسَامِرِيُّ } * { قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ ٱلرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذٰلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي } * { قَالَ فَٱذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي ٱلْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَّن تُخْلَفَهُ وَٱنظُرْ إِلَىٰ إِلَـٰهِكَ ٱلَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي ٱلْيَمِّ نَسْفاً } * { إِنَّمَآ إِلَـٰهُكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً }

قوله - عز وجل -: { فَمَا خَطْبُكَ يٰسَامِرِيُّ }.

قال الحسن: ما حجتك يا سامري على ما فعلت؟ ولا حجة كانت له قط.

وقال غيره: (ما خطبك) ما شأنك وما أمرك، والخطب هو الشأن والأمر في اللغة.

وتأويله - والله أعلم -: فما شأنك؟ أي: ما الذي حملك على صنيعك الذي صنعت؟

ثم قوله: { بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ } بالياء والتاء جميعاً، ثم بين ما الذي بصر هو ما لم يبصروا هم؟ فقال: { فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ ٱلرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا } ، أما عامة أهل التأويل: فإنهم يقولون: إنه قبض قبضة من تراب من أثر فرس جبريل فنبذتها، وليس في الآية ذكر التراب ولا ذكر الفرس، ولا أن ذلك الرسول جبريل أو غيره.

ويشبه أن يكون الذي قبضه هو تراب من أثر الفرس، على ما قاله أهل التأويل، وقد ذكر في حرف أبي: (فقبضت قبضة من أثر فرس الرسول)، فإن ثبت ما قالوا، وإلا لم نزد على ما ذكر في الكتاب من هذه الأنباء والقصص [التي] كانت في كتبهم، فذكرت في القرآن؛ ليحتج بها رسول الله على أولئك؛ ليعرفوا أنه إنما عرف بالله تعالى، فلو زيد أو نقص عما في كتبهم، لذهب موضع الاحتجاج عليهم، بل يوجب ذلك شبه الكذب عليهم؛ لذلك وجب حفظ ما حكى في الكتاب من الأنباء والأخبار من غير زيادة ولا نقصان مخافة الكذب، إلا إن ثبت شيء يذكر عن رسول الله أنه كان، فعند ذلك يقال، وإلا الكف أولى لما ذكرناه.

[و] في قراءة الحسن وقتادة: (فقبصت قبصة) بالصاد، والقبصة: هو الأخذ بأطراف الأصابع، والقبضة: هو بالكف؛ فلا يحتمل أن يصح الحرفان جميعاً، لأن الأخذ بأطراف الأصابع دون الكف فهو خبر يخبر عما في كتبهم، فإما أن يكون ذا أو ذا؟ فأما أن يكونا جميعاً فلا يحتمل، إلا أن يقال: إنه أخذه بأطراف الأصابع، ثم رده إلى الكف؛ فحينئذ يكون، أو أن يكون ثَمَّ مرتان، والله أعلم.

وقوله -: { وَكَذٰلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي }.

هذا يحتمل وجهين:

أحدهما: أي: كذلك سولت لي نفسي أنك متى تأخذ قبضة من أثر الرسول فنبذتها في الحلي يحيا.

أو أن يكون سولت له نفسه على ما كان عادتهم وطبيعتهم أنهم لا يعبدون [ما] لا يرونه ولا يقع بصرهم عليه؛ حيث قالوا:يٰمُوسَىٰ ٱجْعَلْ لَّنَآ إِلَـٰهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ } [الأعراف: 138]، وكقولهم:لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهْرَةً } [البقرة: 55]، فقال: سولت لي نفسي أن أتخذ لهم عجلا يرونه فيعبدونه.

أو سولت لي نفسي أن في قبضة أثر الرسول بناءً عظيماً.

أو قال ذلك اعتذاراً لجميع ما كان منه من أول الأمر إلى آخر أمره، والله أعلم.

السابقالتالي
2 3