الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ يٰمُوسَىٰ } * { قَالَ هُمْ أُوْلاۤءِ عَلَىٰ أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ } * { قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ ٱلسَّامِرِيُّ } * { فَرَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَٰنَ أَسِفاً قَالَ يٰقَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ ٱلْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَّوْعِدِي } * { قَالُواْ مَآ أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَـٰكِنَّا حُمِّلْنَآ أَوْزَاراً مِّن زِينَةِ ٱلْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى ٱلسَّامِرِيُّ } * { فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ فَقَالُواْ هَـٰذَآ إِلَـٰهُكُمْ وَإِلَـٰهُ مُوسَىٰ فَنَسِيَ } * { أَفَلاَ يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلاَ يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً }

قوله - عز وجل -: { وَمَآ أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ يٰمُوسَىٰ }.

قال بعضهم: إن موسى - صلوات الله عليه - خرج بنفر من قومه إلى الجبل؛ ليأخذ التوراة، فجعل حتى خلفهم وتركهم وراءه، فعند ذلك قال له ربه: { وَمَآ أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ يٰمُوسَىٰ }.

وقال بعضهم: لم يخرج بنفر، ولكن خرج وحده وترك قومه، فأصابهم ما أصاب من الافتتان بالعجل الذي اتخذه السامري.

وقوله - عز وجل -: { قَالَ هُمْ أُوْلاۤءِ عَلَىٰ أَثَرِي }.

هذا على التأويل الأول، أي: هم يجيئون على أثري.

وعلى التأويل الثاني، أي: تركتهم على ديني وسبيلي، وهو قول الحسن وقتادة.

وقوله - عز وجل -: { وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ }.

أي: عجلت إليك ربّ فيما دعوتني إجابة وطاعة فيما أمرتني؛ لترضى، هذا على التأويل الذي قال: إنه خرج وحده.

وعلى التأويل الذي يقول: إنه خرج بنفر يقول - والله أعلم -: { وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ }؛ إذ لم يكن لي سبب ولا معنى يمنعني عن الإسراع إلى ما دعوتني وأمرتني.

وهكذا عندنا أن من لزمه أمر الله وفرضه، لزمه الإسراع والعجلة إلى القيام بأدائه، إذا لم يكن هناك سبب يمنعه عن التعجيل له والقيام به، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ }.

الفتنة: هي المحنة التي فيها شدائد وبلايا، ومعنى الافتتان هاهنا: هو ما فتنهم بالعجل الذي اتخذه السامري، جعله جسداً بدم ولحم على ما ذكر، ونفخ فيه الروح، وجعل له خوار، فذلك معنى الافتتان منه إياهم، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { وَأَضَلَّهُمُ ٱلسَّامِرِيُّ }.

أضاف الإضلال إلى السامري؛ لأنه كان سبب إضلالهم حيث اتخذ لهم العجل، ودعاهم إلى عبادته، وقال: { هَـٰذَآ إِلَـٰهُكُمْ وَإِلَـٰهُ مُوسَىٰ } ، فأضاف الإضلال إليه؛ لما ذكرنا من دعائه إليه والسبب الذي كان منه، وإلا لم يكن لأحد إضلال أحد، وأضاف الافتتان إلى نفسه؛ لما ذكرنا من جعل العجل جسداني من لحم ودم وروحاني.

فإن قيل: ما معنى إجراء ما أجري على يدي السامري مع ضلالة من الآية؟

قيل: هو - والله أعلم - أنه لو ادعى لنفسه الرسالة، لكان لا يتهيأ له ذلك، لكنه إنما ادعى أنه إله وآثار العبودية فيه ظاهرة قائمة يعرف كل أحد أنه ليس بإله، وأما الرسالة فإنه يجوز أن تشتبه على الناس وتلتبس عليهم، فيمنع الله - عز وجل - من ليس برسول إذا ادعى الرسالة إقامة دلالة الرسالة لاشتباهها على الناس، وأما الألوهية فلا يمنع عن إجراء ذلك؛ لأن آثار العبودة وأعلام العجز فيها ظاهرة يعرفها كل أحد.

وهكذا من أتى [أهل] قرية لم يبلغهم هذا القرآن فقرأ هذا القرآن وقال: إني رسول الله إليكم [لم] يقدره الله على قراءته، ولو ادعى الربوبية لم يمنع؛ لأن آثار العجز عن إتيان مثله ظاهرة وفي الرسالة لا؛ لذلك افترقا، والله أعلم.

السابقالتالي
2 3