الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَٱضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي ٱلْبَحْرِ يَبَساً لاَّ تَخَافُ دَرَكاً وَلاَ تَخْشَىٰ } * { فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِّنَ ٱلْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ } * { وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَىٰ } * { يٰبَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُمْ مِّنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ ٱلطُّورِ ٱلأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ } * { كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَىٰ } * { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحَاً ثُمَّ ٱهْتَدَىٰ }

قوله - عز وجل -: { وَلَقَدْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي }: وهو السير بالليل.

وقوله - عز وجل -: { فَٱضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي ٱلْبَحْرِ يَبَساً } أي: اضرب بعصاك البحر، اجعل لهم طريقاً في البحر يابساً؛ كقوله:فَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْبَحْرَ فَٱنفَلَقَ... } الآية [الشعراء: 63].

وقوله - عز وجل -: { لاَّ تَخَافُ دَرَكاً وَلاَ تَخْشَىٰ }.

أي: لا تخاف لحوق فرعون وجنوده، ولا تخشى غرق البحر، ليس على النهي، ولكن على رفع الخوف عنه والأمن عن أن يدركهم ويلحقهم؛ ألا ترى أنه قال:قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ } [الشعراء: 61-62].

وقوله - عز وجل -: { فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ }.

دل قوله: { بِجُنُودِهِ } على أن كان معه جنود لا جند واحد، وأما العدد فإنهم كذا وكذا ألفا وقوم موسى كذا وكذا ألفا، فذلك لا يعلم إلا بالخبر وليس بنا إلى معرفة ذلك حاجة.

وقوله - عز وجل -: { فَغَشِيَهُمْ مِّنَ ٱلْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ }؛ أي: من الغرق والهلاك.

وقوله - عز وجل -: { وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَىٰ }.

قال بعضهم: وأضل فرعون قومه وما هداه الله.

وقال بعضهم: وأضل فرعون قومه وما هداهم حيث قال:وَمَآ أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ ٱلرَّشَادِ } [غافر: 29].

وقيل: أضل قومه وما هدى نفسه.

وقال بعضهم:وَذٰلِكَ جَزَآءُ مَن تَزَكَّىٰ } [طه: 76]، أي: آمن؛ وذلك أنه بالإيمان تزكو الأعمال وتنمو، وبه يثاب عليها ويؤجر.

وقال القتبي: { لاَّ تَخَافُ دَرَكاً } أي: لحاقاً.

وقوله: { فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ } أي: لحقهم.

وقوله - عز وجل -: { يٰبَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُمْ مِّنْ عَدُوِّكُمْ }.

هذا خبر يخبر عما أنعم عليهم ومن على أوائلهم وآبائهم من حضر رسول الله، يذكر هؤلاء بما أنعم ومَنَّ على أولئك، وإلا لم يكن هؤلاء يومئذ، وفيه تذكير النعم والمنن على الصحابة في أواخر أمورهم؛ لأنه أمنهم في آخر أمرهم من عدوهم وأيأسهم عن عود هؤلاء إلى دينهم.

وفيه تذكير لنا فيما أنعم علينا ومَنَّ في أوائل أمورنا وآخرها، ليس التذكير لبني إسرائيل خاصة، ولكن لكل من أنعم عليه.

وقوله - عز وجل -: { وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ ٱلطُّورِ ٱلأَيْمَنَ }.

لسنا ندري أن الأيمن هو اسم ذلك الجبل، أو سماه الأيمن؛ ليمنه وبركته، وقال - عز وجل - في آية أخرى:فَلَمَّآ أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِىءِ ٱلْوَادِي ٱلأَيْمَنِ } [القصص: 30].

أو سماه الأيمن من يمين موسى عليه السلام.

فإن كان هو من اليمن والبركة فهو كذلك؛ لأنه به كان بدء وحي موسى عليه السلام.

وقوله - عز وجل -: { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ }.

يذكر هؤلاء ما وسع على أوائلهم من الرزق وأخصهم؛ ليستأدي بذلك الشكر على ما أنعم عليهم، وذلك تذكير لنا ولمن وسع عليه ذلك؛ إذ لم يزل علينا يوسع الرزق من أول عمرنا إلى آخره.

السابقالتالي
2