الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَذٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ ٱلْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً } * { فَتَعَٰلَى ٱللَّهُ ٱلْمَلِكُ ٱلْحَقُّ وَلاَ تَعْجَلْ بِٱلْقُرْءانِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً }

قوله - عز وجل -: { وَكَذٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً }.

أي: كما ذكرنا: أن من يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما، كذلك أنزلناه في القرآن العربي.

{ وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ ٱلْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }.

حرف (لعل) في جميع ما ذكر في القرآن يحتمل وجهين:

أحدهما: على الوعد أنهم يتقون فهو على الإيجاب.

والثاني: لعلهم يتقون، أي: ألزمهم أن يتقوا بما صرف من الوعيد.

وإن كان على الوعد والإيجاب منه فهو لمن علم أنهم يتقون.

وإن كان على الإلزام - أي: ألزمهم - فهو في الكل.

ثم إن كان على الوعد فيخرج قوله: { أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً } ، فيكون كقوله:لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ } [طه: 44] إذا تذكر خشي، وإذا خشي تذكر؛ فعلى ذلك إذا اتقى فقد أحدث له الذكر، وإذا أحدث له الذكر اتقى، وإن كان ألزمهم أن يتقوا فهو على أو ثم.

ثم قال: بعضهم: { ذِكْراً } ، أي: عذاباً.

وقوله - عز وجل -: { فَتَعَٰلَى ٱللَّهُ ٱلْمَلِكُ ٱلْحَقُّ }.

مثل هذا إنما يذكر على نوازل كانت إما قولا أو فعلا، يقال: فتعالى الله عن ذلك، لكن لم يذكر النوازل، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { وَلاَ تَعْجَلْ بِٱلْقُرْءانِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ }.

يحتمل ما قاله أهل التأويل أن جبريل كان إذا أتاه بالسورة وبالآي فيتلوها عليه، فلا يفرغ جبريل من التلاوة حتى يتكلم رسول الله بأولها؛ مخافة أن ينساها؛ فأنزل الله: { وَلاَ تَعْجَلْ بِٱلْقُرْءانِ } فتقرأه من قبل أن يفرغ من تلاوته عليك، وقد أمنه عن النسيان بقوله:سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَىٰ... } الآية [الأعلى: 6]، وكذلك:لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ } الآية [القيامة: 16]، ثم أمره عز وجل أن يسأله أن يزيد له علما.

ويحتمل أن يكون قوله: { وَلاَ تَعْجَلْ بِٱلْقُرْءانِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ }.

أي: لا تعجل بما ذكر من الوعيد لهم في القرآن من قبل أن يأتي وقته؛ كقوله:فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً } [مريم: 84].

وقوله: { وَلاَ تَعْجَلْ بِٱلْقُرْءانِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ } جائز ما قال أهل التأويل: إنه كان يتلو مع تلاوة جبريل، فقال له: { وَلاَ تَعْجَلْ بِٱلْقُرْءانِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ } ، إن ثبت عنه أنه كان يتلو مع تلاوة جبريل.

وجائز النهي من غير أن كان منه ما ذكر - والله أعلم - على ما نهى عن أشياء من غير أن كان منه ذلك.