الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً } * { فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً } * { لاَّ تَرَىٰ فِيهَا عِوَجاً وَلاۤ أَمْتاً } * { يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ ٱلدَّاعِيَ لاَ عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ ٱلأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَـٰنِ فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً } * { يَوْمَئِذٍ لاَّ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً } * { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً } * { وَعَنَتِ ٱلْوُجُوهُ لِلْحَيِّ ٱلْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً } * { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ يَخَافُ ظُلْماً وَلاَ هَضْماً }

قوله - عز وجل -: { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً }.

يشبه أن يكون سؤالهم عن أحوال الجبال في ذلك اليوم لما بين أحوال الناس في الساعة بقوله:إِنَّ زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ... } الآية [الحج: 1-2]، وكقوله:وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَارَىٰ... } الآية [الحج: 2]، وصف لهم أحوال الخلق في ذلك اليوم، ولم يصف أحوال الجبال والأرض، فعند ذلك سألوه عن أحوال الجبال، فأمر رسوله أن يخبرهم بما ذكر أنه { يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً } ، وما ذكر أيضاً في آية أخرى:هَبَآءً مَّنثُوراً } [الفرقان: 23]،كَٱلْعِهْنِ ٱلْمَنفُوشِ } [القارعة: 5]،كَٱلْفَرَاشِ ٱلْمَبْثُوثِ } [القارعة: 4] ونحوه، فجائز أن يكون ذلك على اختلاف الأحوال، وقد ذكرناه فيما تقدم.

وقوله - عز وجل -: { فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً * لاَّ تَرَىٰ فِيهَا عِوَجاً وَلاۤ أَمْتاً }.

قال بعضهم: { قَاعاً صَفْصَفاً } أي: مستوية، والقاع والصفصف واحد.

وقال بعضهم: هي الأرض الملساء التي لا نبات فيها ولا زرع.

وقوله: { لاَّ تَرَىٰ فِيهَا عِوَجاً وَلاۤ أَمْتاً } قيل: لا واديا ولا أمتا ولا رابية.

وقال بعضهم: العوج: الارتفاع، والأمت: الهبوط.

وقال بعضهم: العوج: أَحْناء الأودية، والأمت: التلال.

وقيل: لا انخفاضاً ولا ارتفاعاً، والقاع الصفصف: هو تفسير { لاَّ تَرَىٰ فِيهَا عِوَجاً وَلاۤ أَمْتاً } ، و { لاَّ تَرَىٰ فِيهَا عِوَجاً وَلاۤ أَمْتاً } تفسير قوله: { قَاعاً صَفْصَفاً }.

وقوله - عز وجل -: { يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ ٱلدَّاعِيَ لاَ عِوَجَ لَهُ }: لا خلاف له، ليس كالداعي في الدنيا منهم من يطيعه ويجيبه ومنهم من لا يطيعه ولا يجيبه، فأخبر أنهم في الآخرة يجيبون الداعي في أي حال كانوا لا يخالفونه.

وقوله - عز وجل -: { وَخَشَعَتِ ٱلأَصْوَاتُ }: لا تخشع، لكن تنخفض وتلين عند خوف أهلها، وترتفع عند الأمن.

أو أن يكون خشوع الأصوات كناية عنهم، أي يخشعون ويذلون لشدة فزعهم لأهوال ذلك اليوم.

وقوله - عز وجل -: { فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً }.

قيل: الهمس: الكلام الخفي الذي لا يكاد يسمعه.

وقيل: رفع الأقدام ونقلها وهو تحريكها.

قال أبو عوسجة:يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ } [طه: 103]، أي: أخفى صوته.

وقوله: { أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً } أي: أفضلهم.

فأمّا { قَاعاً صَفْصَفاً } ، قال: القاع: الأرض الصلبة التي لا شيء فيها، والصفصف: المستوية، والصفاصف جمع، والقيعان: جمع القاع، و { عِوَجاً وَلاۤ أَمْتاً } الأمت: هو العوج وهو التل.

وقوله - عز وجل -: { وَخَشَعَتِ ٱلأَصْوَاتُ } ، أي: سكنت [ { فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً } ]، والهمس: الخفى.

وقوله - عز وجل -: { لاَّ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً }.

هذا يحتمل وجهين:

أحدهما: لا تنفع الشفاعة، ليس أن يكون لهم الشفاعة فلا تنفع، ولكن لا شافع لهم إلا من أذن له الرحمن بالشفاعة أنه لا أحد يتكلم يومئذ إلا بإذنه، فضلا أن يؤذن لأحد بالشفاعة؛ كقوله:

السابقالتالي
2 3