الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ كَذٰلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَآءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْراً } * { مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وِزْراً } * { خَالِدِينَ فِيهِ وَسَآءَ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ حِمْلاً } * { يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ وَنَحْشُرُ ٱلْمُجْرِمِينَ يَوْمِئِذٍ زُرْقاً } * { يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً } * { نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً }

قوله - عز وجل -: { كَذٰلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَآءِ مَا قَدْ سَبَقَ }.

أي: هكذا نقص عليك من أنباء ما قد سبق؛ ليكون آية لرسالتك ونبوتك.

أو أن يقول: كما قصصنا عليك هذا النبأ كذلك نقص عليك سائر النبأ، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْراً }.

قال أهل التأويل: الذكر هاهنا: القرآن، وهو الظاهر؛ ألا ترى أنه [قال] على أثره: من أعرض عنه فإنه كذا، وجائز أن يكون قوله: { آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْراً } أي: شرفا وذكرا، يذكر هو بعده أبداً، ومن اتبعه وأجابه إلى ما دعاه يصير مذكوراً به.

وقوله: { مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وِزْراً }.

والوزر: الحمل، وسميت الآثام: حملا؛ لأن الآثام تنقض ظهور أصحابها في النار وتكسرها؛ كالحمل في الدنيا ينقض ظهر صاحبه ويكسره، وهو ما ذكر:وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * ٱلَّذِيۤ أَنقَضَ ظَهْرَكَ } [الشرح: 2-3].

وقوله - عز وجل -: { خَالِدِينَ فِيهِ } ، أي: في ذلك الوزر، أي: لن تفارقهم أوزارهم أبد الآبدين.

وقوله - عز وجل -: { وَسَآءَ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ حِمْلاً }.

حمل السوء، حمل يورد صاحبه النار، بئس الحمل حمل يورد صاحبه النار، ويقال: بئسما حملوا على أنفسهم من الأعمال.

وقوله: { مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وِزْراً } يحتمل الإعراض عنه وجهين:

أحدهما: { أَعْرَضَ عَنْهُ } ، أي: كفر به وكذبه ولم يلتفت إليه.

والثاني: { أَعْرَضَ عَنْهُ } ، أي: لم يعمل بما فيه، ومن لم يعمل من المسلمين بما فيه يخاف أن يكون في وعيد هذه الآية.

وقوله - عز وجل -: { يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ وَنَحْشُرُ ٱلْمُجْرِمِينَ يَوْمِئِذٍ زُرْقاً * يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً }.

قيل: يتسارون بينهم ويتكلمون فيما بينهم كلاما خفيا { إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً } مثل هذا الكلام، إنما يقولون تلهفاً وتحزنا على ما كان منهم في وقت قليل؛ لاستقلالهم واستصغارهم الدنيا، يقولون: كيف كان منا كل هذا العمل في ذلك الوقت القليل؟!

ثم اختلفوا في ذلك اللبث الذي قالوا ذلك؛ قال بعضهم: في الدنيا، استقلوا مقام الدنيا؛ لما عاينوا الآخرة، وقال بعضهم: ذلك في القبور، ويستدل من ينكر عذاب القبر بهذه الآية، يقول: لأنهم استقلوا مقامهم في القبور، ولو كان لهم عذاب في ذلك لاستعظموا ذلك واستكثروا؛ لأن قليل اللبث في العذاب يستعظم ويستكثر لا يستقل ولا يستحقر، فلما استقلوا ذلك، دل أنهم لا يعذبون في القبور.

واستدلوا أيضاً لنفي العذاب فيه بقوله:يٰوَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا } [يس: 52].

ومن يقول بعذاب القبر يزعم أن ذلك إنما قالوا في القبر يقول: ذلك بين النفختين، يقول: هم يعذبون ويكونون في العذاب إلى النفخة الأولى، ثم يرفع عنهم العذاب إلى النفخة الثانية، عند ذلك يرقدون فيستصغرون مقامهم للنوم، وقد يستصغر الوقت الطويل ويستقل في حال النوم على ما ذكر في قصة أصحاب الكهف حين قالوا:

السابقالتالي
2