الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ } * { مَن كَانَ عَدُوّاً للَّهِ وَمَلاۤئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَٰلَ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ }

قوله: { قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ }.

وذلك أَن اليهود قالوا: لو كان الذي يَنْزِل على محمد بالوحي ميكائيل لتَّبعناه، ونؤمن به؛ لأَن ميكائيل هو الذي ينزل بالغيث والرحمة، وجبريل هو المنزل بالعذاب والحرب والشدائد، فهو عدو لنا؛ لذلك لا نتَّبعه.

وفي جهة العداوة بينهم وبين جبريل وجه آخر، وهو أَن قالوا: إن جبريل أُرسل بالوحي والرسالة في أَولاد إسرائيل، لكنه أَنزلها على أَولاد إسماعيل؛ عداوة لنا وبغضاً؛ لذلك نَصبوا العداوة بينه وبينهم - والله أعلم بذلك - فَأَكذبهم الله - تعالى - بزعمهم، فقال: { نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } ، لا كما تقول اليهود. وما ينزل من العذاب والشدائد، إنما ينزل بأَمره، لا من تلقاءِ نفسه وذَاته.

ثم كان إظهارهم عداوة جبريل، لاعتقادهم عداوة الله - عز وجل - لكنهم لم يجترئوا على عداوة الله - على التصريح - فدل أنه على الكناية عن عداوة الله تبارك وتعالى.

ويدل هذا على أن الروافض طعنوا في رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث طعنوا.

وقوله: { نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ }.

تقول الباطنية: إن القرآن لم ينزل على رسول الله - عليه السلام - بالأَحرف التي نقرؤها، ولكنه إلهام، نزل على قلبه، ثم هو يصوره ويرسمه ذا الحروف، ويعبر به، ويعربه بالمعربة التي نقرؤها.

فلو كان على ما يقولون لزال موضع الاحتجاج عليهم بما أَتى به معجزاً؛ كقوله:وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ ٱلَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ } [النحل: 103] إذ كان لهم أَن يقولوا: أنزل على لسان العجمي، لكنه غيّر ذلك بلسانه.

وكذلك قوله:لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ } [القيامة: 16] مخافة النسيان والذهاب.

وكذلك قوله:وَلاَ تَعْجَلْ بِٱلْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ } [طه: 114].

فدلت هذه الآيات كلها على بطلان قولهم، وفساد مذهبهم، وبُعدهم عن دين الله المستقيم.

وقوله: { وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ }.

هدى من الضلالة، وبشرى للمؤمنين بالجنة.

وقوله: { مَن كَانَ عَدُوّاً للَّهِ وَمَلاۤئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَٰلَ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ } الآية.

يحتمل وجهين:

يحتمل: من كان عدوّاً لله، أَو ملائكته، أَو رسله.

ويحتمل: افتتاح العداوة به دون هؤلاء على التعظيم لهم، وفضل المنزلة عند الله، وحسن المآب لديه؛ كقوله:وَٱعْلَمُوۤا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ } [الأنفال: 41] معنى إضافة ذلك إليه: على التعظيم له، والإفضال لله، لا على جعل ذلك لله مفرداً.

فعلى ذلك: معنى افتتاح العداوة به - على ما ذكرنا - والله أعلم.