الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ جَآءَكُمْ مُّوسَىٰ بِٱلْبَيِّنَاتِ ثُمَّ ٱتَّخَذْتُمُ ٱلْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ } * { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ وَٱسْمَعُواْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } * { قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ ٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ عِندَ ٱللَّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } * { وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمينَ } * { وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ ٱلنَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ ٱلْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ }

قوله: { وَلَقَدْ جَآءَكُمْ مُّوسَىٰ بِٱلْبَيِّنَاتِ ثُمَّ ٱتَّخَذْتُمُ ٱلْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ }.

والبينات: ما ذكرنا - فيما تقدم - من الآيات المعجزة، والحجج العجيبة، والبراهين الظاهرة على رسالته ونبوته، وصدق ما يدعوهم إليه، مما يدل كله أَنه من عند الله.

ثم - مع ما جاءَهم موسى بها - عبدوا العجل واتخذوه إلهاً، وكفروا بالله.

يُعَزِّي نبيه صلى الله عليه وسلم؛ لئلا يظن أَنه أَول مُكذَّب من الرسل، ولا أَول من كُفِر به؛ حتى لا يضيق صدره بما يقولون، ويستقبلونه بما يكره، وبالله التوفيق. كقوله:وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ ٱلرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ } [هود: 120].

وقوله: { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ }.

قد ذكرنا هذا فيما تقدم ما فيه مقْنع، إن شاءَ الله تعالى.

وقوله: { وَٱسْمَعُواْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا }.

يحتمل وجهين:

يحتمل: اسمعوا، أَي: أَجيبوا.

ويحتمل: اسمعوا: أَطيعوا، لكن هذا فيما بين الخلق جائز السمع والطاعة.

وأََما إِضافة الطاعة إلى الله - عز وجل - فإِنه غير جائز؛ إذ لا يجوز أَن يقال: أَطاع الله. وأَما السمع فإنه يجوز؛ لقوله: " سمع الله لمن حمده ".

{ قَالُواْ سَمِعْنَا } قولك، { وَعَصَيْنَا } أَمرك.

لكن قولهم: { وَعَصَيْنَا } لم يكن على أثر قولهم: { سَمِعْنَا } ، ولكن بعد ذلك بأَوقات؛ لأَنه قيل: لما أَبوا قبول التوراة؛ لما فيها من الشدائد والأَحكام، رفع الله الجبل فوقهم، فقبلوا؛ خوفاً من أَن يرسل عليهم الجبلَ، وقالوا: أَطعنا، فلما زايل الجبل، وعاد إلى مكانه، فعند ذلك قالوا: { وَعَصَيْنَا } ، وهو كقوله:ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِّن بَعْدِ ذٰلِكَ } [البقرة: 64] فالتولي منهم كان بعد ذلك بأَوقات.

وقوله: { وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ }.

قيل: أُشربوا، أَي: جُعل في قلوبهم حبُّ عبادة العجل بكفرهم بالله عز وجل.

وقيل: سُقُوا حُبَّ العجل.

وقيل: إِن موسى لما أَحرق العجل، ونسفه في البحر جعلوا يشربون منه لحبهم العجل.

وقيل: لما أَحرق ونسف في البحر جعلوا يلحسون الماء حتى اصفرت وجوههم.

وقيل: إنهم لما رأوا في التوراة ما فيها من الشدائد، قالوا عند ذلك: عبادةُ العجل علينا أَهون مما فيها من الشرائع.

وكله يرجع إلى واحد، وذلك كله آثار الحب.

وقوله: { قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ }.

قيل: قل يا محمد: بئسما يأْمركم إيمانكم بالعجل الكفرَ بالله عز جل.

وقيل: إن اليهود ادعوا أَنهم مؤمنون بالتوراة؛ فقال: { بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ } أي بالتوراة؛ إذ كفرتم بمحمد صلى الله عليه وسلم، وقد وجدتم فيها نعته وصفته.

وقوله: { قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ ٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ عِندَ ٱللَّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ }.

وذلك أَن أَعداءَ الله - تعالى - كانوا يقولون: إن الجنة لنا في الآخرة، بقولهم

السابقالتالي
2 3