الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } * { وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَالُوۤاْ آمَنَّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ قَالُوۤاْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } * { أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ } * { وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ } * { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ ٱلْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـٰذَا مِنْ عِنْدِ ٱللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ }

قوله: { أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ }.

قيل: الآية - وإن خرجت على عموم الخطاب - فالمراد منها الخصوص، وهو الرسول صلى الله عليه وسلم. وإلى هذا يذهب أَكثر أَهل التفسير.

وقيل: المراد منها - بعموم الخطاب - العموم؛ يعني: النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وأَصحابه؛ وكأَنها خرجت على النهي عن طمع الإيمان منهم، كأَنه قال: لا تطمعوا في إيمانهم.

كقوله:أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي ٱلنَّارِ } [الزمر: 19]؛ أي: لا تُنقذ.

وكقوله:أَفَأَنتَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ } [الزخرف: 40]؛ أَي: لا تسمع الصم.

وقوله: { وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ... } الآية.

لقائلٍ أن يقول: أَليس فيما كان فريقٌ منهم يسمعُون كلام الله ثم يحرفونه ما يجب أَن يدفع الطمع عن إيمان هؤلاء؟

فهو - والله أعلم - لوجهين:

أَحدهما: أَنهم كانوا أصحاب تقليد؛ كقوله:إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ ءَاثَارِهِم مُّهْتَدُونَ } [الزخرف: 22].

فأَخبر - عز وجل - أَن هؤلاء - وإن رأَوْا الآيات العجيبة - فإنهم لا يؤمنون أَبداً؛ لأَنهم أَصحاب تقليد، لا ينظرون إلى الحجج والآيات.

والثاني: أَنهم - معَ كثرة ما عاينوا من الآيات، وشاهدوا من العجائب في عهد رسول الله موسى صلى الله عليه وسلم - لم يطمع في إيمانهم، فيكف طمعتم أَنتم في إيمان هؤلاء، وهم أَتباعهم؟ والله الموفق.

ولهذا وجهان آخران:

أحدهما: كأَنه قال: لا تطمع في إيمانهم؛ لأَنهم - في علم الله على ما عليه من ذكر.

والثاني: لأن أولئك كانوا خيراً من هؤلاءِ، وأَرغبَ في الحق منهم، ثم لم يؤمنوا مع سماع الحجج، وما يجب به الإيمان، فكيف تطمع في إيمان هؤلاء؟

وقوله: { ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }.

أنه من عند الله، ويعلمون أَنه رسول الله، وأَنه حقّ.

وقوله: { وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَالُوۤاْ آمَنَّا }.

فقد ذكرنا فيما تقدم أَنها في المنافقين نزلت.

وقوله: { وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ }.

يحتمل وجهين:

يحتمل: خلا بعض المنافقين إلى بعض، قالوا: أَتحدثونهم بكذا.

ويحتمل: خلاء المنافقين إلى اليهود.

وقوله: { قَالُوۤاْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ }.

قيل: فتح الله؛ قصَّ الله.

وقيل: فتح الله؛ بيَّن الله.

وقيل: فتح الله؛ قضى الله.

وقيل: منّ الله عليكم في التوراة. وكله يرجع إلى واحد.

وقوله: { لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ }.

أي: باعترافكم عند هؤلاءِ.

ويحتمل: على إضمار رسول الله صلى الله عليه وسلم كأَنه قال: ليحاجوكم بإقراركم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ويحتمل: على معنى ليحاجوكم به عند ربكم أي في ربكم؛ إذ العرب تستعمل حروف الخفض بعضها في موضع بعض.

ويحتمل: عند ربكم، أَي: يوم القيامة. ويكون ليحاجوكم بما عند الله؛ أَي: بالذي جاءكم من عند الله.

السابقالتالي
2