الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ وَعَلَىٰ أَبْصَٰرِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ } * { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ } * { يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَٱلَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ } * { فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ }

وقوله: { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ }.

هذا - والله أعلم - في قوم خاص، عَلِمَ الله أَنهم لا يؤمنون فأَخبر عز وجل رسولَه بذلك، فكان كما قال.

وفيه آية النُّبوَّة.

ويحتمل أَيضاً: أَنهم لا يؤمنون ما داموا في كفرهم؛ كقوله:وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } [البقرة: 258، آل عمران: 86، التوبة: 19، 109، الصف: 7، الجمعة: 5] والكافرون ما داموا كافرين ظالمون.

وقوله: { خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ وَعَلَىٰ أَبْصَٰرِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ }.

روي عن الحسن: " إن للكافر حدا إذا بلغ ذلك الحد، وعلم الله منه أنه لا يؤمن، طبعَ على قلبه حتى لا يؤمن ".

وهذا فاسد على مذهب المعتزلة لوجهين:

أحدهما: أَن مذهبهم أَن الكافر مكلف، وإن كان قلبه مطبوعاً عليه.

والثاني: أن الله - عز وجل - عالم بكل من يؤمن في آخر عمره، وبكل من لا يؤمن أَبداً، بلغ ذلك الحد أَو لم يبلغ.

فعلى ما يقوله الحسن إيهام أَنه لا يعلم ما لم يبلغ ذلك.

والمعتزلةُ يقولون: إن قوله: { خَتَمَ } ، و { طَبَعَ } يُعلم عَلاَمةً في قلبه أَنه لا يؤمن كإعلام الكتب والرسائل.

ولكن عندنا: خلق ظلمة الكفر في قلبه.

والثاني: خلق الختم والطبع على قلبه [إذا فَعَل فِعْل الكفر؛ لأَن] فِعْل الكفر من الكافر مخلوق عندنا، فخلق ذلك الختم عليه؛ وهو كقوله:وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً } [الإسراء: 46] أي: خلق الأَكنة. وغيرهِ من الآيات.

والأَصل في ذلك: أَنه ختم على قلوبهم لما تركوا التأَمل، والتفكر في قلوبهم فلم يقع، وعلى سمعهم لما لم يسمعوا قول الحق والعدل، خلق الثقل عليه، وخلق على أَبصارهم الغطاءَ لما لم ينظروا في أَنفسهم، ولا في خلق الله ليعرفوا زوالها وفناءَها وتغير الأحوال؛ ليعلموا أن الذي خلق هذا دائِم لا يزول أَبداً.

وقوله: { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ }.

إخبار منهم أنهم قالوا ذلك بأَلسنتهم قولا، وأَظهروا خلاف ما في قلوبهم؛ فأَخبر عز وجل نبيّه عليه الصلاة والسلام: أَنهم ليسوا بمؤمنين، أي: بمصدقين بقلوبهم.

وكذلك قوله:مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ } [المائدة: 41].

وكذلك قوله:فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ... } الآية [النساء: 65].

هذه الآيات كلها تنقض على الكراميَّةِ؛ لأَنهم يقولون: الإِيمان قول باللسان دون التصديق. فأَخبر الله - عز وجل - عن جملة المنافقين أَنهم ليسوا بمؤمنين لما لم يأْتوا بالتصديق، وهذا يدل على أن الإِيمان تصديق بالقلب.

والكراميّة يقولون: بل هم مؤمنون.

وقوله: { يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَٱلَّذِينَ آمَنُوا }.

لا يقصد أحد مخادعة الله، لكنهم كانوا يقصدون مخادعة المؤمنين، وأَولياءِ الله، فأَضاف الله عز وجل ذلك إلى نفسه؛ لعِظم قدرهم، وارتفاع منزلتهم عند الله؛ وهو كقوله:

السابقالتالي
2