الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِي ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى ٱلْعَٰلَمِينَ } * { وَٱتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَٰعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ } * { وَإِذْ نَجَّيْنَٰكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ وَفِي ذَٰلِكُمْ بَلاۤءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ } * { وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ ٱلْبَحْرَ فَأَنجَيْنَٰكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ } * { وَإِذْ وَٰعَدْنَا مُوسَىٰ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ ٱتَّخَذْتُمُ ٱلْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَٰلِمُونَ } * { ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } * { وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ وَٱلْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }

قوله: { يَٰبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِي ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ }.

يحتمل وجوها:

يحتمل: { أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ } بمحمد صلى الله عليه وسلم، وذلك أن الناس كانوا على فترة من الرسل، وانقطاع من الوحي، واختلاف من الأديان والمذاهب؛ فبعث الله - تعالى - محمداً صلى الله عليه وسلم؛ ليجمعهم ويدعوهم إلى دين الله، ويؤلف بينهم، ويخرجهم من الحيرة والتيه، وذلك من أعظم نعمة أنعمها عليهم، وبالله التوفيق.

وذلك أيضاً يُحْتمل فيما تقدم من الآيات.

وقوله:يَٰبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِيۤ... } الآية [البقرة: 40].

وقوله:وَآمِنُواْ بِمَآ أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ } [البقرة: 41] يعني: محمداً صلى الله عليه وسلم.

وعهدُه في الأرض رسولُه، كقوله:وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلنَّبِيِّيْنَ لَمَآ آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ } [آل عمران: 81] إلى قوله:وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذٰلِكُمْ إِصْرِي } [آل عمران: 81] أي: عهدي.

وعلى ذلك قوله:وَلاَ تَكُونُوۤاْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ } [البقرة: 41] يعني: بمحمد صلى الله عليه وسلم.

وقوله:وَلاَ تَلْبِسُواْ ٱلْحَقَّ بِٱلْبَٰطِلِ } [البقرة: 42] يعني: محمداً صلى الله عليه وسلم.

وكذلك قوله:وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلٰوةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَٰوةَ وَٱرْكَعُواْ مَعَ ٱلرَّٰكِعِينَ } [البقرة: 43] أَمكن تخريج هذه الآيات كلها على محمد صلى الله عليه وسلم.

ويحتمل أيضا قوله: { نِعْمَتِي ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ } الوجوه التي ذكرنا.

أحدها: أن جعل منكم الأنبياء والملوك؛ كقوله:وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَآءَ وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً } [المائدة: 20].

كما قيل: إن كل نبي من لدن يعقوب إلى زمن عيسى عليه السلام كان من بني إسرائيل.

ويحتمل: ما آتاهم - عز وجل - من أنواع النعم ما لم يؤت أَحداً من العالمين؛ كقوله:وَآتَاكُمْ مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّن ٱلْعَٱلَمِينَ } [المائدة: 20] من المن، والسلوى، وتظليل الغمام، وامتداد اللباس على قدر القامة والطول.

كما قيل: إن ثيابهم كانت تزداد وتمتد عليهم على قدر ما تزداد قامتهم، وكانت لا تُبْلَى عليهم ولا تتوسخ، وذلك مما لم يؤتِ أحداً سواهم.

ويحتمل أيضاً قوله: { نِعْمَتِيَ } أي: النجاة من فرعون وآله؛ كقوله: { وَإِذْ نَجَّيْنَٰكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ... } الآية [البقرة: 49].

وقوله: { وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى ٱلْعَٰلَمِينَ }.

قيل: فُضِّلوا على جميع من على وجه الأرض؛ على الدوابِّ بالجوهر، وعلى الجن بالرسل، وعلى البشر بالإيمان.

ويَحْتمل تفضيلُهم على العالمين وجوهاً أيضاً:

ما ذكرنا من بعث الأَنبياءِ منهم.

والنجاة من أيدي العدو.

وإهلاك العدو وهم يرونه.

وفَرْق البحر بهم، والنجاة منه، وإهلاك العدو فيه.

وذلك من أعظم النعم: أَن ترى عدوَّك في الهلاك وأَنت بمعزل منه آمن.

وقوله: { يَٰبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِي ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ } إلى قوله: { فَضَّلْتُكُمْ عَلَى ٱلْعَٰلَمِينَ }.

يحتمل: فضَّل أَوائلهم.

وفي الآية وجهان على المعتزلة:

أَحدهما: قوله: { ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِي ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ } ، وعندهم: أَن جميع ما فعل مما عليه الفعل، ولو فعل غيره لكان يكون به جائزاً، فإذا كان تركه بفعله جائزاً ففعله حق عليه.

السابقالتالي
2 3 4 5