الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ الۤـمۤ } * { ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } * { ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلٰوةَ وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } * { وٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ } * { أُوْلَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ }

{ الۤـمۤ }

قيل: فيه وجوهٌ:

روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قوله: { الۤـمۤ } أنا الله أعلم.

وقيل: إنه قسم أقسم بها.

وقيل: إن هذه الحروف المعجمة مفتاح السورة.

وقيل: إن كل حرف من هذه الحروف كناية اسم من أسماءِ الله: الأَلف الله، واللام لطفه، والميم ملكه.

وقيل: إن اللام آلاؤه، والميم مجدهُ.

وقيل: إن الأَلف هو الله، واللام جبريل، والميم محمد.

وقيل: إنها من التشبيب؛ ليفصل بين المنظوم من الكلام، والمنثور من نحو الشعر ونحوه.

وقيل: إن تفسير هذه الحروف المقطعة ما أَلحق ذكرها بها على أَثرها نحو قوله: { الۤـمۤ * ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ } [أول سورة البقرة]، { ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ } هو تفسير { الۤـمۤ } ، و { الۤمۤ * ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } [أول سورة آل عمران]، { الۤمۤصۤ * كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ } [أول سورة الأعراف]، و { الۤر كِتَابٌ } [أول سورة هود، وإبراهيم]، و { الۤـمۤ * تِلْكَ آيَاتُ } [أول سورة لقمان] كلُّ ملحقٍ بها فهو تفسيرُها.

وقيل: إن فيها بيان غاية ملك هذه الأُمة من حساب الجُمَّل، ولكنهم عدوا بعضها وتركوا البعض.

وقيل: إنه من المتشابه الذي لم يطلع الله خلقه علم ذلك، ولله أن يمتحن عباده بما شاءَ من المحن.

وقيل: إنهم كانوا لا يستمعون لهذا القرآن؛ كقولهم:لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَٱلْغَوْاْ فِيهِ } [فصلت: 26]، وكقوله:وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ ٱلْبَيْتِ إِلاَّ مُكَآءً وَتَصْدِيَةً } [الأنفال: 35] فأنزل الله عز وجل هذه الحروف المعجمة ليستمعوا إليها فيلزمهم الحجة.

والأصل في الحروف المقطعة: أنه يجوز أن تكون على القَسَم بها على ما ذكرنا.

وأريد بالقدْر الذي ذكر كليةُ الحروف بما كان من شأْن العرب القسمُ بالذي جلَّ قدْرُه، وعظم خطره. وهي مما بها قوام الدارين، وبها يتصل إلى المنافع أَجمع. مع ما دّلت على نعمتين عظيمتين - اللسان والسمع - وهما مجرى كل أنواع الحكمة، فأَقسم بها على معنى إضمار ربّها، أَو على ما أَجلّ قدرها في أعين الخلق، فيقسم بها، ولله ذلك، ولا قوة إلا بالله.

ويحتمل: أَن يكون بمعنى الرمز والتضمين في كل حرف منها أمراً جليلاً يعظم خطره على ما عند الناس في أَمر حساب الجُمل. ثم يُخرَّج على الرمز بِها عن أَسماءِ الله وصفاته ونعمه على خلقه، أَو على بيانِ منتهى هذه الأُمة، أَو عددِ أَئمتها، وملوكها، والبقاع التي ينتهي أمرها، وذلك هو في نهاية الإيجاز، بل بالاكتفاءِ بالرمز عن الكلام، وبما هو بمعنى من الإشارة في الاكتفاءِ بها عن البسط، ولا قوة إلا بالله؛ ليُعلم الخلائقَ قدرة الله، وأَنَّ له أَنْ يضمن ما شاء فيما شاءَ على ما عليه أَمرُ الخلائق من لطيف الأَشياءِ التي كادت العقولُ وأَسباب الإدراك تقصر عنها، وكنهِها التي يدركها كل أَحد، وبين الأَمرين، فعلى ذلك أَمر تركيب الكلام، ولا قوة إلا بالله.

السابقالتالي
2 3