الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَٰئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّيۤ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } * { وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلأَسْمَآءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى ٱلْمَلَٰئِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَآءِ هَـٰؤُلاۤءِ إِن كُنْتُمْ صَٰدِقِينَ } * { قَالُواْ سُبْحَٰنَكَ لاَ عِلْمَ لَنَآ إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَآ إِنَّكَ أَنْتَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ } * { قَالَ يَآءَادَمُ أَنبِئْهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّآ أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنِيۤ أَعْلَمُ غَيْبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } * { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَٰئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَٱسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلْكَٰفِرِينَ } * { وَقُلْنَا يَآءَادَمُ ٱسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلْظَّٰلِمِينَ } * { فَأَزَلَّهُمَا ٱلشَّيْطَٰنُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا ٱهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَٰعٌ إِلَىٰ حِينٍ } * { فَتَلَقَّىٰ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَٰتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ } * { قُلْنَا ٱهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } * { وَٱلَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَٰتِنَآ أُولَـٰئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ }

قوله: { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَٰئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ }.

قال الشيخ - رضي الله عنه -: القول فيما يتوجه إليه مما تضمن قصة آدم عليه السلام من سورة البقرة، والكشفُ عما قال فيها أهل التفسير من غير شهادة لأَحد منا لإصابة جميع ما فيه من الحكمة أَو القطع على تحقيق شيءٍ، ووجهوا إليه بالإِحاطة.

ولكن الغالب مما يحتمله تدبير البشر، ويبْلغه مبلغ علمنا مما يجوز أَن يوصَف به أَهلُ المحنة، وإن كان تنزيه الملائِكة عن كل معنى فيه وحشةٌ أَوْلى بما وصفهم الله من الطاعة بقوله:لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [التحريم: 6].

وقوله:وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً } [الأنبياء: 26] إلى قوله:لاَ يَسْبِقُونَهُ بِٱلْقَوْلِ... } الآية [الأنبياء: 27].

وقوله:يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ... } الآية [النحل: 50].

وقوله:لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ } [الأنبياء: 19].

وما جاءَت به الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من وصف طاعتهم لله ومواظبتهم على العبادة.

وما لا يذكر عن أحد من الرسل وصف ملك بالمعصية، بل إنما ذلك يذكر عن بعض السلف مما لا لوم في مخالفته في فروع الدين، فضلاً من أَن يبسط اللسان في ملائِكة الله سبحانه، وبالله المعونةُ والعصمة.

قال الله تعالى لملائِكته: { إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ... } الآية.

زعم قوم أن هذا زلةٌ منهم، لم يكن ينبغي لهم أن يقابلوا قوله: { إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً } بهذا؛ لما يخرج مخرج الاستعتاب بقولهم: أَتفعل ونحن نفعل كذا؟! كالمنكرين لفعله.

وأَيدوا ذلك بقوله عز وجل: { إِنِّيۤ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } أنه لولا كان في ذلك طرف من الجهل يحذر عن مثله قائِلُه، لم يتبع قولهم هذا، ومعلوم عندهم أَن يكون هو يعلم ما لا يعلمون.

وأَيد ذلك بما امتحنهم بالإنباءِ عن أَسْماءِ الأَشياءِ، مقروناً بقوله: { إِن كُنْتُمْ صَٰدِقِينَ } ولولا أنه سبق منهم ما استحقوا عليه التوعد لم يكن لذلك الشرط عند القول: { أَنْبِئُونِي بِأَسْمَآءِ هَـٰؤُلاۤءِ } فائِدة مع ما يوضع موضع التوبيخ والتهدد.

ومنهم من قال: إن قوله: { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا } قولُ إبليس، هو الذي تعرض بهذا القول، وإن كان الكلام مذكوراً باسم الجماعة؛ لأَنه جائِزٌ خطاب الواحد على إرادة الجماعة، وذكرُ الجماعةِ على إرادة الواحد، وإن كان خطاب الله تعالى لجملة ملائِكته حيث قال: { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَٰئِكَةِ... } الآية.

قوله: { أَنْبِئُونِي } بكذا، وهو يعلم أنهم لا يعلمون ذلك، ولا يحتمل أَن يأْمرهم بذلك وهم لا يعلمون. ولو تكلفوا الإخبار لَلَحِقَهم الكذبُ في ذلك.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد