الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ وَجْهِ ٱللَّهِ وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ } * { لِلْفُقَرَآءِ ٱلَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي ٱلأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ ٱلْجَاهِلُ أَغْنِيَآءَ مِنَ ٱلتَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ } * { ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }

قوله تعالى: { لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ وَجْهِ ٱللَّهِ وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ }.

أخبر أنه ليس عليه هداهم، وعليه البيان والتبليغ؛ فدل أن هناك فضل هدى، لا يملك هو ذلك، وهو التوفيق على الهدى والتحقيق له.

وهذا يرد على المعتزلة ويكذبهم أن كل الهدى: البيان؛ إذ لو كان كل الهدى بياناً لكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يملك ذلك، إذ عليه البيان، فدل أنه لا يملك الهدى المراد في الآية؛ فهو على ما ذكرنا من التوفيق.

ويحتمل قوله: { لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ } أي: حساب ترك اهتدائهم، كقوله:مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِّن شَيْءٍ } [الأنعام: 52]، وفَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلَٰغُ } [آل عمران: 20].

وقوله تعالى: { وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُمْ }:

{ مِنْ خَيْرٍ } ، أي: مال، { فَلأَنْفُسِكُمْ } ، يعني: فلأنفسكم الثواب.

[و] قيل قوله: { فَلأَنْفُسِكُمْ } ، يعني: منفعته لكم.

وفي قوله: { وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُمْ } دلالة على أنهم كانوا يتحرجون بالتصدق على أقربائهم من الكفار خشية ما يقع من التعاون على ما اعتمدوا من الدين؛ إذ المكاسب لكل أهل دين إنما تقع من العقلاء مكان ما ينفقون به لأجل الدين؛ فبين جل وعلا: أن ذلك يقع لكم ولأنفسكم، وتكفير ما ارتكبتم.

ثم في الآية دلالة جواز الصدقة على الكفار، ودليل جواز دفع الكفارات إليهم بقوله: { وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُمْ }؛ فهو دليل لأصحابنا؛ لأنه جعل هذه الصدقة مكفرة.

وقوله تعالى: { يُوَفَّ إِلَيْكُمْ } ، يعني: يوفر عليكم ثواب صدقاتكم، وإن كان التصدق على الكفرة.

وقوله تعالى: { وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ } ، في حرمان الثواب والجزاء.

وقوله تعالى: { لِلْفُقَرَآءِ ٱلَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي ٱلأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ ٱلْجَاهِلُ أَغْنِيَآءَ مِنَ ٱلتَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ }.

قيل: { لِلْفُقَرَآءِ ٱلَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } قيل: { فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي: من سبيل الله، يعني: حبسوا بالفقر عن الجهاد، وهو كقوله:وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ } [التوبة: 91]. والعرب تستعمل حروف الخفض بعضها في موضع بعض.

ويحتمل قوله تعالى: { لِلْفُقَرَآءِ ٱلَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } ، أي: حبسوا أنفسهم في طاعة الله، لا يجدون ما يتجرون، ولا ما يحترفون، ولا ما يكتسبون.

وقوله تعالى: { لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي ٱلأَرْضِ }: للتجارة.

وقوله تعالى: { لاَ يَسْأَلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافاً } ، يحتمل وجهين:

يحتمل: لا يظهرون السؤال، أي: لا يسألون؛ كقوله تعالى:وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ } [البقرة: 123]، أي: لا يشفع لهم.

ويحتمل: فإن كان على السؤال فإنهم إذا سألوا لم يلحفوا، دليله قوله صلى الله عليه وسلم:

السابقالتالي
2