الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنْفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّآ أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ ٱلأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ ٱلْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ } * { ٱلشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ ٱلْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِٱلْفَحْشَآءِ وَٱللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } * { يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَآءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ } * { وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ } * { إِن تُبْدُواْ ٱلصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا ٱلْفُقَرَآءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }

قوله: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنْفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّآ أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ ٱلأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ ٱلْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ }.

فيه دليل وجوب الزكاة في أموال التجارة بقوله: { مَا كَسَبْتُمْ }؛ لأن أموال التجارة هي التي تكتسب، وليس في كتاب الله تعالى بيان وجوب الزكاة في أموال التجارة في غير هذا الموضع، وليس فيه سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن ذكر عن بعض الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - القول به؛ فيحتمل أن يكون ما قالوا قالوا بهذه الآية. وأما زكاة الفضة، والذهب، والمواشي فيما لها ذكر في الكتاب والسنة، فالزكاة تجب فيها لعينها، اكتسب فيها أو لم يكتسب. وأما أموال التجارة فإن الزكاة تجب فيها بالاكتساب. وفيه دليل أن النفقة المذكورة فيه لازمة واجبة؛ لأنه قال: { إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ } ، ذكر الإغماض، والإغماض لا يذكر في المعروف، إنما يذكر في اللازم والواجب الذي لا مخرج له عنه إلا بالأداء، إلا عن عفو وصفح والرضاء بدون الحق - ثبت أنه على اللزوم.

وفيه دليل وجوب الحق في الرطاب والخضروات؛ لأنه ذكر في الآية المخرج، والرطاب هي التي تخرج من الأرض. وأما الحبوب إنما تخرج من الأصل الذي يخرج من الأرض؛ لذلك كان الرطاب والخضروات أولى بوجوب الحق من غيره بظاهر الآية.

قال الشيخ - رحمه الله تعالى -: والوجوب في الحبوب بما كانت تخرج من الحقوق، والحقوق بظاهر هذه الوجوه في التي تخرج من الأرض. وأما أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله تعالى - فإنهما قالا: يحتمل قوله: { أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ ٱلأَرْضِ } ، يعني من الأصل الذي يخرج لكم من الأرض، كقوله تعالى:يَٰبَنِيۤ ءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً } [الأعراف: 26]، ولا ينزل من السماء اللباس كما هو، ولكن أراد الأصل الذي به يكون اللباس، وكذلك قوله:خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ } [فاطر: 11]، وهو لم يخلقنا من التراب، وإنما خلق الأصل من التراب، وهو آدم - عليه السلام - فعلى ذلك الأول. والله أعلم.

والوجه فيه: أنه منَّ الله تعالى علينا بما أخرج لنا من الأرض من أنواع ما أخرج بحبة تلقى في الأرض فتفسد فيها، فيخرج منها النبات بلطفه، لا صنع لأحد فيها. وتلك المنة لا تكون على أربابها خاصة دون الفقراء أو بل هي على الفقراء كهي على أربابها؛ لأنه أخرجه رزقاً للكل، ففيه حق الفقراء والأغنياء جميعاً. ومن ثم جاز وجوب العشر على الفقير؛ ألا ترى إلى قوله تعالى:أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ * ءَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ ٱلزَّارِعُونَ } [الواقعة: 63-64] وقوله:

السابقالتالي
2 3 4