الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ ٱلَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَأْتِي بِٱلشَّمْسِ مِنَ ٱلْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ ٱلْمَغْرِبِ فَبُهِتَ ٱلَّذِي كَفَرَ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } * { أَوْ كَٱلَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِـي هَـٰذِهِ ٱللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ ٱللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَٱنْظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَٱنْظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَٱنْظُرْ إِلَى ٱلعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ ٱلطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ ٱجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ٱدْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَٱعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

قوله: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ }.

فقد ذكرنا فيما تقدم أن قوله تعالى: { أَلَمْ تَرَ } ، إنما يفتتح به لأعجوبة، كقوله:أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ ٱلظِّلَّ } [الفرقان: 45]، وقوله:أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ ٱلْفِيلِ } [الفيل: 1].

وفيه إباحة التكلم في الكلام والمناظرة فيه والحجاج بقوله: { حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ } ، ورد على من يمنع التكلم فيه وهو كذلك؛ لأنا أمرنا بدعاء الكفرة جميعاً إلى وحدانية الله تعالى، والإقرار له بذلك، والمعرفة له أنه كذلك، وكذلك الأنبياء بأجمعهم أمروا وندبوا إلى دعاء الكفرة إلى شهادة أن " لا إله إلا الله وحده لا شريك له " ، فإن دعوناهم إلى ذلك لا بد من أن يطلبوا منا الدليل على ذلك، والبيان عليه، والوصف له كما هو له، والتقرير عندهم أنه كذا، فلا يكون ذلك إلا بعد المناظرة والحجاج فيه؛ لذلك قلنا: أن لا بأس بالتكلم والماظرة فيه. وفيه دلالة على إباحة المحاجة في التوحيد.

وفيه الإذن بالنظر في النظر؛ لأنه حاجه لينظر. والله أعلم.

وقوله: { أَنْ آتَاهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ }.

قال أهل الاعتزال في قوله تعالى: { أَنْ آتَاهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ }: هو إبراهيم، عليه السلام، لا ذلك الكافر؛ لقوله تعالى:لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّالِمِينَ } [البقرة: 124]، أخبر أن عهده لا يناله الظالم، والملك عهد.

لكنه غلط عندنا لوجوه:

أحدها: إن إبراهيم، صلوات الله عليه وسلامه، ما عرف بالملك.

والثاني: أن الآية ذكرت في محاجة ذلك الكافر إبراهيم، ولو كان غير ملك، وكان إبراهيم، عليه السلام، هو الملك، لم يقدر المحاجة مع إبراهيم، عليه السلام إذ لا محاجة إلا عن ملك؛ دل أنه هو الذي كان الملك.

والثالث: قال: { أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ } ، ثم قيل: إنه جاء برجلين، فقتل أحدهما، وترك الآخر. فلو لم يكن ملكا لم يتأت له ذلك بين يدي إبراهيم، إذا كان إبراهيم، صلوات الله عليه وسلامه، هو الذي { آتَاهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ } ، فدل أن المراد به ذلك الكافر.

ثم (المُلْكُ) يكون في الخلق بأحد أمرين: إما الفضل والشرف والعز والسلطان والدين، وإما من جهة الأموال والطول عليها والقهر والغلبة. فإن لم يكن له (المُلك) من جهة الأول لكان له ذلك بفضول الأموال؛ لذلك كان ما ذكرنا. والله أعلم.

قال الشيخ - رحمه الله تعالى -: أعطى (الملك) ليمتحن به، كما يعطي الغني والصحة ليمتحن بهما.

وقوله تعالى: { إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ ٱلَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ }.

وكان هذا من إبراهيم - عليه السلام - والله أعلم - عن سؤال سبق منه أن قال له ذلك الكافر: من ربك الذي تدعوني إليه؟ فقال: { رَبِّيَ ٱلَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ } وإلا لا يحتمل ابتداء الكلام بهذا على غير سبق سؤال كان منه.

السابقالتالي
2 3 4 5