الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ لاَ إِكْرَاهَ فِي ٱلدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشْدُ مِنَ ٱلْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِٱلطَّاغُوتِ وَيْؤْمِن بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ لاَ ٱنفِصَامَ لَهَا وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَوْلِيَآؤُهُمُ ٱلطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِّنَ ٱلنُّورِ إِلَى ٱلظُّلُمَاتِ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }

قوله تعالى: { لاَ إِكْرَاهَ فِي ٱلدِّينِ }.

قيل: { لاَ إِكْرَاهَ فِي ٱلدِّينِ } ، أي: لا يكره على الدين. فإن كان التأويل هذا فهو على بعض دون بعض.

وقال بعضهم: نزلت في المجوس، وأهل الكتاب من اليهود والنصارى، أنه يقبل منهم الجزية، ولا يكرهون على الإسلام. ليس كمشركي العرب ألا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف، ولا يقبل منهم الجزية، فإن أسلموا وإلا قتلوا. وعلى ذلك روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه كتب إلى المنذر بن فلان: " أما العرب فلا تقبل منهم إلا الإسلام أو السيف، وأما أهل الكتاب والمجوس فاقبل منهم الجزية " وعلى ذلك نطق به الكتابتُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ } [الفتح: 16].

وقال قوم: { لاَ إِكْرَاهَ فِي ٱلدِّينِ } أي: لا دين يقبل بإكراه، بل ليس ذلك بإيمان.

والثاني: أن { ٱلرُّشْدُ } قد تبين من الغي، وبين ذلك لكل أحد حتى إذا قبل الدين قبل عن بيان وظهور، لا عن إكراه.

وقال آخرون: قوله: { لاَ إِكْرَاهَ فِي ٱلدِّينِ } ، أي: لا إكراه على هذه الطاعات بعد الإسلام؛ لأن الله تعالى حبب هذه الطاعات في قلوب المؤمنين فلا يكرهون على ذلك. ومعناه: أن في الأمم المتقدمة الشدائد والمشقة، ورفع الله عز وجل تلك الشدائد عن هذه الأمة وخففها عليهم، دليله قوله تعالى:رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ } [البقرة: 286]، وقوله:وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَٱلأَغْلاَلَ ٱلَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ } [الأعراف: 157]، ومثل ذلك كثير، كانت على الأمم السالفة ثقيلة وعلى هذه الأمة مخففة، فإذا كانت مخففة عليهم لا يكرهون على ذلك.

وقال آخرون: هو منسوخ بقوله عليه السلام: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله ".

وقال آخرون: إن قوماً من الأنصار كانت ترضع لهم اليهود، فلما جاء الإسلام أسلم الأنصار، وبقي من عند اليهود من ولد الأنصار على دينهم، فأرادوا أن يكرهوهم، فنزل الآية { لاَ إِكْرَاهَ فِي ٱلدِّينِ }.

قال الشيخ - رحمه الله تعالى -: ويحتمل { لاَ إِكْرَاهَ فِي ٱلدِّينِ } ما قال في قوله تعالى:وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } [الحج: 78].

وقوله تعالى: { قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشْدُ مِنَ ٱلْغَيِّ }.

يعني قد تبين الإسلام من الكفر بالله فلا تكرهون على ذلك.

وقوله تعالى: { فَمَنْ يَكْفُرْ بِٱلطَّاغُوتِ }.

اختلف فيه:

قيل: { بِٱلطَّاغُوتِ } ، الشياطين.

وقيل: كل ما يعبد من دون الله فهو طاغوت من الأصنام والأوثان التي تعبد من دون الله.

وقيل: { بِٱلطَّاغُوتِ } ، الكهنة الذين يدعون الناس إلى عبادة غير الله بكفر هؤلاء وتكذيبهم.

السابقالتالي
2 3 4