الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ مَن ذَا ٱلَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْعَظِيمُ }

قوله: { ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ } قيل: هو الحي بذاته لا بحياة هي غيره كالخلق هم أحياء بحياة هي غيرهم حلت فيهم لا بد من الموت، والله عز وجل يتعالى عن أن يحل فيه الموت؛ لأنه حي بذاته وجميع الخلائق أحياء لا بذاتهم، تعال الله عز وجل عما يقول فيه الملحدون علوا كبيرا.

والأصل: أن كل من وصف في الشاهد بالحياة وصف ذلك للعظمة له والجلال والرفعة. ويقال: (فلان حي)، وكذلك الأرض سماها الله تعالى (حية)، إذا اهتزت وربت وأنبتت، لرفعتها على أعين الخلق. فعلى ذلك الله سبحانه وتعالى (حي) للعظمة. وكذلك الأرض سماها الله تعالى: (حية) للعظمة والرفعة ولكثرة ما يكون يذكر في المواطن كلها، كما سمى الشهداء (أحياء)؛ لأنهم مذكورون في الملأ من الخلق.

ويحتمل: أنه يسمي (حيّاً) لما لا يغفل عن شيء، ولا يسهو، ولا يذهب عنه شيء، ولا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء. وبالله العصمة.

وقوله: { ٱلْقَيُّومُ } ، القائم على مصالح أعمال الخلق وأرزاقهم.

وقيل: { ٱلْقَيُّومُ } ، هو القائم على كل شيء يحفظه ويعاهده، كما يقال: (فلان قائم على أمر فلان)، يعنون أنه يتحفظ أموره حتى لايذهب عنه شيء.

وقيل: { هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ } ، أي لا يغفل عن أحوال الخلق.

وقوله تعالى: { لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ }.

قيل: (السنة)، النعاس.

وقيل: (السنة)، هي بين النوم واليقظة، وسمي (وسنان).

وقيل: (السنة)، هي ريح تجيء من قبل الرأس، فتغشى العينين، فهو (وسنان) بين النائم واليقظان.

ويحتمل قوله: { لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ } على نفي الغفلة والسهو عنه؛ إذ لو أخذه، صار مغلوباً مقهوراً، فيزول عنه وصفه (حي، قيوم)، كقوله:لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ } [سبأ: 3]. على نفي الغفلة.

ويحتمل: أنه نفي عن نفسه ذلك؛ لأن الخلق إنما ينامون وينعسون طلباً للراحة والمنفعة - إما لدفع حزن أو وحشة - فأخبر أنه ليس بالذي يحتاج إلى راحة، وإلى دفع حزن أو وحشة.

وقيل: لا يفتر ولا ينام.

قال الشيخ - رحمه الله تعالى -: والنوم والسنة حالان تدلان على غفلة من حلاّ به، وعلى حاجته إلى ما فيه راحته، وعلى عجزه، إذ هما يغلبان ويقهران. فوصف الرب نفسه بما يعلو عن الذي دلا عليه من الوجوه.

وقوله تعالى: { لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ }.

وهو العالي على ذلك، القاهر له، لا تأخذه سنة ولا وحشة، ولا معنى يدل على العجز والحاجة. ولا قوة إلا بالله.

وقوله: { لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } ، أخبر أن ما في السماوات وما في الأرض، عبيده وإماؤه، ليس كما قالوا: (فلان ابن الله)، و(الملائكة بنات الله)، بل كلهم عبيده وإماؤه، والناس لا يتخذون ولدا من عبيدهم وإمائهم، فالله أحق ألا يتخذ، وقد ذكرنا هذا فيما تقدم.

السابقالتالي
2 3