قوله: { فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِٱلْجُنُودِ }. أي: من المدينة. قيل: هم سبعون ألفا. وقيل: كانوا مائة ألف، سار بهم في حر شديد، فنزلوا في قفرة من الأرض، فأصابهم عطش شديد، فسألوا طالوت الماء، فقال لهم طالوت: { إِنَّ ٱللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ }. قيل: نهر بين الأردن وفلسطين. وقيل: هو نهر فلسطين. [وقيل: إنما قال لهم: إن الله مبتليكم بنهر نبيهم. وقوله: { فَمَن شَرِبَ } غرفة كفاه، ومن شرب أكثر منه لم يروه؛ لأنهم عصوه. وقيل] { فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي }. أي: ليس معي على عدوي، أي: لا يخرج معي. ويجوز { فَلَيْسَ مِنِّي } من أتباعي وشيعتي. وجائز أن يكون به ظهور النفاق والصدق { مِنِّي } في الدين. { وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّيۤ }. يقول: { مِنِّي } ، أي معي على عدوي. فيه دليل أن يسمي الشراب باسم الطعام. والطعام باسمه. { إِلاَّ مَنِ ٱغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ }. استنثى (الغرفة)، كأنه قال: من شرب منه فليس مني إلا غرفة. ففيه جواز الثنيا من الكلام المتقدم وإن كان دخل بين حرف الثنيا وحرف الأول شيء آخر. وهو يدل لأصحابنا، رحمهم الله تعالى، حيث قالوا: فيمن أقر، فقال: " لفلان على كُرُّ حنطة وكر شعير إلا نصف كر حنطة " ، أنه يصدق ويلزمه من الحنظة نصف كر. ويحتمل أن يكون الثنيا على ما يليه قوله: { وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّيۤ إِلاَّ مَنِ ٱغْتَرَفَ غُرْفَةً }. وقيل: شرب شرب الدواب. و(الغرفة) هي شرب. وقوله: { فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ }. قيل: (القليل) هم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً اغترفوا غرفة واحدة بأيديهم، وكانت الغرفة يشرب منها هو وخدمه ودوابه. وقيل: إنما استثنى الغرفة باليد لئلا يكرعوا كراع الدواب، ففعل بعضهم ذلك، فرد طالوت العصاة منهم، فلم يقطعوا معه، وقطع معه الثلاثمائة والثلاثة عشر رجلاً وهو قوله تعالى: { فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا ٱلْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ }. قيل: هو قول بعضهم لبعض: { لاَ طَاقَةَ لَنَا ٱلْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ }؛ لأنهم أكثر منا، وكانوا مائة ألف، وهو ثلاثمائة وثلاثية عشر. والله أعلم بذلك العدد. وقوله: { قَالَ ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاَقُواْ ٱللَّهِ }. قيل: الذين يعلمون ويقرون بالبعث. { كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ ٱللَّهِ }. أي: عددهم. وقيل: { ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ } ، يعني يخشون أنهم يقتلون؛ لأنهم وطنوا أنفسهم على الموت، فطابت أنفسهم بالموت { كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً }. وقوله: { بِإِذْنِ ٱللَّهِ }. قال بعضهم: { بِإِذْنِ ٱللَّهِ } ، أي بأمر الله. لكنه لا يحتمل الغلبة بالأمر، ولكن { بِإِذْنِ ٱللَّهِ } ، عندنا: بنصر الله. وقوله: { وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ }. بالنصر والمعونة لهم. وقوله: { وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ }. يعني لقتالهم. وقوله: { قَالُواْ رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ }.